﴿الظَّآنِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾ : الظاهر أنه مصدر أضيف إلى ما يسوء المؤمنين، وهو أن المشركين يستأصلونهم ولا ينصرون، ويدل عليه :﴿عَلَيْهِمْ دَآاِرَةُ السَّوْءِ﴾، و﴿بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا﴾. وقيل :﴿ظَنَّ السَّوْءِ﴾ : ما يسوء المشركين من إيصال الهموم إليهم، بسبب علو كلمة الله، وتسليط رسوله قتلاً وأسراً ونهباً. ثم أخبر أنهم يستعلي عليهم السوء ويحيط بهم، فاحتمل أن يكون خبراً حقيقة، واحتمل أن يكون هو وما بعده دعاء عليهم. وتقدم الكلام على هذه الجملة في سورة براءة. وقيل :﴿ظَنَّ السَّوْءِ﴾ يشمل ظنونهم الفاسد من الشرك، كما قال :﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ﴾، ومن انتفاء رؤية الله تعالى الأشياء وعلمه بها كما قال :﴿وَلَـاكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا﴾ بطلان خلق العالم، كما قال :﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾. وقيل : السوء هنا كما تقول : هذا فعل سوء. وقرأ الحسن : السوء فيهما بضم السين.
﴿وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ : لما تقدم تعذيب الكفار والانتقام منهم، ناسب ذكر العزة. ولما وعد تعالى بمغيبات، ناسب ذكر العلم، وقرن باللفظتين ذكر جنود السموات والأرض ؛ فمنها السكينة التي للمؤمنين والنقمة للمنافقين والمشركين، ومن جنود الله الملائكة في السماء، والغزاة في سبيل الله في الأرض. وقرأ الجمهور :﴿لِّتُؤْمِنُوا ﴾، وما عطف عليه بتاء الخطاب ؛ وأبو جعفر، وأبو حيوة، وابن كثير، وأبو عمرو : بياء الغيبة ؛ والجحدري : بفتح التاء وضم الزاي خفيف ؛ وهو أيضاً، وجعفر بن محمد كذلك، إلا أنهم كسروا الزاي ؛ وابن عباس، واليماني : بزاءين من العزة ؛ وتقدم الكلام في وعزّروه في الأعراف. والظاهر أن الضمائر عائدة على الله تعالى، وتفريق الضمائر يجعلها للرسول صلى الله عليه وسلّم، وبعضها لله تعالى، حيث يليق قول الضحاك. ﴿بُكْرَةً وَأَصِيلا﴾، قال ابن عباس : صلاة الفجر وصلاة الظهر والعصر.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ﴾ : هي بيعة الرضوان وبيعة الشجرة، حين أخذ الرسول صلى الله عليه وسلّم الأهبة لقتال قريش، حين أرجف بقتل عثمان بن عفان، فقد بعثه إلى قريش يعلمهم أنه جاء معتمراً لا محارباً، وذلك قبل أن ينصرف من الحديبية، بايعهم على الصبر المتناهي في قتال العدو إلى أقصى الجهد، ولذلك قال سلمة بن الأكوع وغيره : بايعنا على الموت. وقال ابن عمر، وجابر : على أن لا نفر. والمبايعة : مفاعلة من البيع، ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾، وبقي اسم البيعة بعد على معاهدة الخلفاء والملوك. ﴿إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ أي صفقتهم، إنما يمضيها ويمنح الثمن الله عز وجل. وقرأ تمام بن العباس بن عبد المطلب : إنما يبايعون لله، أي لأجل الله ولوجهه ؛ والمفعول محذوف، أي إنما يبايعونك لله.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٨٧
﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾. قال الجمهور : اليد هما النعمة، أي نعمة الله في هذه المبايعة، لما يستقبل من محاسنها، فوق أيديهم التي مدوها لبيعتك. وقيل : قوة الله فوق قواهم في نصرك ونصرهم. وقال الزمخشري : لما قال :﴿إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾، أكد تأكيداً على طريقة التخييل فقال :﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾، يريد أن يد رسول الله صلى الله عليه وسلّم التي تعلو يدي المبايعين، هي يد الله، والله تعالى منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام. وإنما المعنى : تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول صلى الله عليه وسلّم كعقده مع الله تعالى من غير تفاوت بينهما، كقوله تعالى :﴿مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾، و﴿فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِا﴾، فلا يعود ضرر نكثه إلا على نفسه. انتهى. وقرأ زيد بن علي : ينكث، بكسر الكاف. وقال جابر بن عبد الله : ما نكث أحد منا البيعة إلا جد بن قيس، زكان منافقاً، اختبأ تحت إبط بعيره، ولم يسر مع القوم فحرم. وقرأ الجمهور :﴿عَلَيْهُ اللَّهَ﴾ : بنصب الهاء. وقرىء : بما عهد ثلاثياً. وقرأ الحميدي :﴿فَسَيُؤْتِيهِ﴾ ؛ بالياء ؛ والحرميان، وابن عامر، وزيد بن علي : بالنون. ﴿أَجْرًا عَظِيمًا﴾ : وهي الجنة، وأو في لغة تهامه، قوله عز وجل :
﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الاعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِم قُلْ فَمَن يَمْلِكُ﴾.


الصفحة التالية
Icon