﴿وَأَثَـابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ قال قتادة، وابن أبي ليلى : فتح خيبر، وكان عقب انصرافهم من مكة. وقال الحسن : فتح هجر، وهو أجل فتح اتسعوا بثمرها زمناً طويلاً. وقيل : فتح مكة والقرب أمر نسبي، لكن فتح خيبر كان أقرب. وقرأ الحسن، ونوح القارىء : وآتاهم، أي أعطاهم ؛ والجمهور : وأثابهم من الثواب. ﴿وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً﴾ : أي مغانم خيبر، وكانت أرضاً : ذات عقار وأموال، فقسمها عليهم. وقيل : مغانم هجر. وقيل : مغانم فارس والروم. وقرأ الجمهور : يأخذونها بالياء على الغيبة في وأثابهم، وما قبله من ضمير الغيبة. وقرأ الأعمش، وطلحة، ورويس عن يعقوب، ودلبة عن يونس عن ورش، وأبو دحية، وسقلاب عن نافع، والأنطاكي عن أبي جعفر : بالتاء على
٩٦
الخطاب. كما جاء بعد ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً﴾ بالخطاب. وهذه المغانم الموعود بها هي المغانم التي كانت بعد هذه، وتكون إلى يوم القيامة، قاله ابن عباس ومجاهد وجمهور المفسرين.
ولقد اتسع نطاق الإسلام، وفتح المسلمون فتوحاً لا تحصى، وغنموا مغانم لا تعد، وذلك في شرق البلاد وغربها، حتى في بلاد الهند، وفي بلاد السودان في عصرنا هذا. وقدم علينا حاجاً أحد ملوك غانة من بلاد التكرور، وذكر عنه أنه استفتح أزيد من خمسة وعشرين مملكة من بلاد السودان، وأسلموا، وقدم علينا ببعض ملوكهم يحج معه. وقيل : الخطاب لأهل البيعة، وأنهم سيغنمون مغانم كثيرة. وقال زيد بن أسلم وابنه : المغانم الكثيرة مغانم خيبر ؛ ﴿فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـاذِهِ﴾ : الإشارة بهذه إلى البيعة والتخلص من أمر قريش بالصلح، قاله ابن عباس وزيد بن أسلم وابنه. وقال مجاهد : مغانم خيبر.
﴿وَكَفَّ أَيْدِىَ النَّاسِ عَنكُمْ﴾ : أي أهل مكة بالصلح. وقال ابن عباس عيينة بن حصن الفزاري، وعوف بن مالك النضري، ومن كان معهم : إذ جاءوا لينصروا أهل خيبر، والرسول عليه الصلاة والسلام محاصر لهم، فجعل الله في قلوبهم الرعب وكفهم عن المسلمين. وقال ابن عباس أيضاً : أسد وغطفان حلفاء خيبر. وقال الطبري : كف اليهود عن المدينة بعد خروج الرسول صلى الله عليه وسلّم إلى الحديبية وإلى خيبر. ﴿وَلِتَكُونَ﴾ : أي هذه الكفة آية للمؤمنين، وعلامة يعرفون بها أنهم من الله تعالى بمكان، وأنه ضامن نصرهم والفتح عليهم. وقيل : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فتح مكة في منامه، ورؤيا الأنبياء حق، فتأخر ذلك إلى السنة القابلة، فجعل فتح خيبر علامة وعنواناً لفتح مكة، فيكون الضمير في ولتكون عائداً على هذه، وهي مغانم خيبر، والواو في ولتكون زائدة عند الكوفيين وعاطفة على محذوف عند غيرهم، أي ليشكروه ولتكون، أو وعد فعجل وكف لينفعكم بها ولتكون، أو يتأخر، أو يقدر ما يتعلق به متأخراً، أي فعل ذلك. ﴿وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾ : أي طريق التوكل وتفويض الأمور إليه. وقيل : بصيرة واتقاناً.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٨٧
﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا﴾، قال ابن عباس، والحسن، ومقاتل : بلاد فارس والروم وما فتحه المسلمون. وقال الضحاك، وابن زيد، وابن اسحاق : خيبر. وقال قتادة، والحسن : مكة، وهذا القول يتسق معه المعنى ويتأيد. وفي قوله :﴿لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا﴾ دلالة على تقدم محاولة لها، وفوات درك المطلوب في الحال، كما كان في مكة. وقال الزمخشري : هي مغانم هوازن في غزوة حنين. وقال :﴿لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا﴾، لما كان فيها من الجولة، وجوز الزمخشري في :﴿وَأُخْرَى ﴾، أن تكون مجرورة بإضمار رب، وهذا فيه غرابة، لأن رب لم تأت في القرآن جارة، مع كثرة ورود ذلك في كلام العرب، فكيف يؤتى بها مضمرة ؟ وإنما يظهر أن ﴿وَأُخْرَى ﴾ مرفوع بالابتداء، فقد وصفت بالجملة بعدها، وقد أحاط هو الخبر. ويجوز أن تكون في موضع نصب بمضمر يفسره معنى ﴿قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا ﴾ : أي وقضى الله أخرى. وقد ذكر الزمخشري هذين الوجهين ومعنى ﴿قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا ﴾ بالقدرة والقهر لأهلها، أي قد سبق في علمه ذلك، وظهر فيها أنهم لم يقدروا عليها.
﴿وَلَوْ قَـاتَلَكُمُ الَّذِينَ كفَرُوا ﴾ : هذا ينبني على الخلاف في قوله تعالى :﴿وَكَفَّ أَيْدِىَ النَّاسِ عَنكُمْ﴾، أهم مشركو مكة، أو ناصروا أهل خيبر، أو اليهود ؟ ﴿لَوَلَّوُا الادْبَـارَ﴾ : أي لغلبوا وانهزموا. ﴿سُنَّةَ اللَّهِ﴾ : في موضع المصدر المؤكد لمضمون الجملة قبله، أي سن الله عليه أنبياءه سنة، وهو قوله :﴿لاغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِى ﴾. ﴿وَهُوَ الَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ﴾ : أي قضى بينكم المكافة والمحاجزة، بعدما خولكم الظفر عليهم والغلبة. وروي في سببها أن قريشاً جمعت جماعة من فتيانها، وجعلوهم مع عكرمة بن أبي جهل، وخرجوا يطلبون غرة في عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فلما أحس بهم المسلمون، بعث عليه الصلاة والسلام خالد بن الوليد،
٩٧


الصفحة التالية
Icon