﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ : أخبار عن الصحابة وعن صفتهم الكريمة من العفة عن المعصية والامتناع من التعدى حتى أنهم لو أصابوا من ذلك أحداً لكان من غير قصد، كقول النملة عن جند سليمان :﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾. وبغير علم متعلق بأن تطؤهم. وقيل : متعلق بقوله :﴿فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةُ﴾ من الذين بعدكم ممن يعتب عليكم. وقرأ الجمهور : لو تزيلوا ؛ وابن أبي عبلة، وابن مقسم، وأبو حيوة، وابن عون : لو تزايلوا، على وزن تفاعلوا، ليدخل متعلق بمحذوف دل عليه المعنى، أي كان انتفاء التسليط على أهل مكة، وانتفاء العذاب. ﴿لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِى رَحْمَتِهِا مَن يَشَآءُ﴾ : وهذا المحذوف هو مفهوم من جواب لو، ومعنى تزيلوا : لو ذهبوا عن مكة، أي لو تزيل المؤمنون من الكفار وتفرقوا منهم، ويجوز أن يكون الضمير للمؤمنين والكفار، أي لو افترق بعضهم من بعض. ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِى قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَـاهِلِيَّةِ﴾ : إذ معمول لعذبنا، أو لو صدوكم، أو لا ذكر مضمرة. والحمية : الأنفة، يقال : حميت عن كذا حمية، إذا أنفت عنه وداخلك عار وأنفة لفعله، قال المتلمس :
إلا أنني منهم وعرضي عرضهمكذا الرأس يحمي أنفه أن يهشما
وقال الزهري : حميتهم : أنفتهم عن الإقرار لرسول الله صلى الله عليه وسلّم بالرسالة والاستفتاح ببسم الله الرحمن الرحيم، والذي امتنع من ذلك هو سهيل بن عمرو. وقال ابن بحر : حميتهم : عصبيتهم لآلهتهم، والأنفة : أن يعبدوا وغيرها. وقيل : قتلوا آباءنا وإخواننا ثم يدخلون علينا في منازلنا، واللات والعزى لا يدخلها أبداً ؛ وكانت حمية جاهلية لأنها بغير حجة وفي غير موضعها، وإنما ذلك محض تعصب لأنه صلى الله عليه وسلّم إنما جاء معظماً للبيت لا يريد حرباً، فهم في ذلك كما قال الشاعر في حمية الجاهلية :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٨٧
وهل أنا إلا من غزية إن غوتغوين وإن ترشد غزية أرشد
وحمية : بدل من الحمية والسكينة الوقار والاطمئنان، فتوقروا وحلموا ؛ و﴿كَلِمَةَ التَّقْوَى ﴾ : لا إله إلا الله. روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلّم، وبه قال علي، وابن عباس، وابن عمر، وعمرو بن ميمون، وقتادة، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك، وسلمة بن كهيل، وعبيد بن عمير، وطلحة بن مصرف، والربيع، والسدي، وابن زيد. وقال عطاء بن أبي رباح ومجاهد أيضاً : هي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. وقال علي بن أبي طالب، وابن عمر، رضي الله تعالى عنهما : لا إله إلا الله، والله أكبر. وقال أبو هريرة، وعطاء الخراساني : لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأضيفت الكلمة إلى التقوى لأنها سبب التقوى وأساسها. وقيل : هو على حذف مضاف، أي كلمة أهل التقوى. وقال المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم : كلمة التقوى هنا هي بسم الله الرحمن الرحيم، وهي التي أباها كفار قريش، فألزمها الله المؤمنين وجعلهم أحق بها. وقيل : قولهم سمعاً وطاعة. والظاهر أن الضمير في :﴿وَكَانُوا ﴾ عائد على المؤمنين، والمفضل عليهم محذوف، أي ﴿أَحَقَّ بِهَا﴾ من كفار مكة، لأن الله تعالى
٩٩
اختارهم لدينه وصحبة نبيه صلى الله عليه وسلّم. وقيل : من اليهود والنصارى، وهذه الأحقية هي في الدنيا. وقيل : أحق بها في علم الله تعالى. وقيل :﴿وَأَهْلُهَا﴾ في الآخرة بالثواب. وقيل : الضمير في وكانوا عائد على كفار مكة لأنهم أهل حرم الله، ومنهم رسوله لولا ما سلبوا من التوفيق.
﴿وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا﴾، إشارة إلى علمه تعالى بالمؤمنين ورفع الكفار عنهم، وإلى علمه بصلح الكفار في الحديبية، إذ كان سبباً لامتزاج العرب وإسلام كثير منهم، وعلو كلمة الإسلام ؛ وكانوا عام الحديبية ألفاً وأربعمائة، وبعده بعامين ساروا إلى مكة بعشرة آلاف.


الصفحة التالية
Icon