﴿فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا ﴾ : أي ما قدره من ظهور الإسلام في تلك المدة، ودخول الناس فيه، وما كان أيضاً بمكة من المؤمنين الذين دفع الله بهم، قاله ابن عطية. وقال الزمخشري : فعلم ما لم تعلموا من الحكمة والصواب في تأخير فتح مكة إلى العام القابل. انتهى. ولم يكن فتح مكة في العالم القابل، إنما كان بعد ذلك بأكثر من عام، لأن الفتح إنما كان ثمان من الهجرة. ﴿فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَالِكَ﴾ : أي من قبل ذلك، أي من زمان دون ذلك الزمان الذي وعدوا فيه بالدخول. فتحاً قريباً، قال كثير من الصحابة : هذا الفتح القريب هو بيعة الرضوان. وقال مجاهد وابن إسحاق : هو فتح الحديبية. وقال ابن زيد : خيبر، وضعف قول من قال إنه فتح مكة، لأن فتح مكة لم يكن دون دخول الرسول صلى الله عليه وسلّم وأصحابه مكة، بل كان بعد ذلك.
﴿هُوَ الَّذِيا أَرْسَلَ رَسُولَهُ﴾ : فيه تأكيد لصدق رؤياه صلى الله عليه وسلّم، وتبشير بفتح مكة لقوله تعالى :﴿لِيُظْهِرَه عَلَى الدِّينِ كُلِّهِا﴾، وتقدم الكلام على معظم هذه الآية. ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ على أن ما وعده كائن. وعن الحسن : شهيداً على نفسه أنه سيظهر دينك. والظاهر أن قوله :﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ﴾ مبتدأ وخبر. وقيل : رسوله الله صفة. وقال الزمخشري : عطف بيان، ﴿وَالَّذِينَ﴾ معطوف، والخبر عنه وعنهم أشداء. وأجاز الزمخشري أن يكون محمد خبر مبتدأ محذوف، أي هو محمد، لتقدم قوله :﴿هُوَ الَّذِيا أَرْسَلَ رَسُولَهُ﴾. وقرأ ابن عامر في رواية : رسوله الله بالنصب على المدح، والذين
١٠١
معه هم من شهد الحديبية، قاله ابن عباس. وقال الجمهور : جميع أصحابه أشداء، جمع شديد، كقوله :﴿أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَـافِرِينَ﴾. ﴿رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ﴾، كقوله :﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾، وكقوله :﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾، وقوله :﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾. وقرأ الحسن : أشداء رحماء بنصبهما. قيل : على المدح، وقيل : على الحال، والعامل فيهما العامل في معه، ويكون الخبر عن المتبدأ المتقدم : تراهم. وقرأ يحيى بن يعمر : أشدا، بالقصر، وهي شاذة، لأن قصر الممدود إنما يكون في الشعر، نحو قوله :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٨٧
لا بد من صنعا وإن طال السفر
وفي قوله :﴿تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا﴾ دليل على كثرة ذلك منهم. وقرأ عمرو بن عبيد : ورضواناً، بضم الراء. وقرىء : سيمياهم، بزيادة ياء والمد، وهي لغة فصيحة كثيرة في الشعر، قال الشاعر : غلام رماه الله بالحسن يافعاله سيمياء لا تشق على البصر
وهذه السيما، قال مالك بن أنس : كانت جباههم منيرة من كثرة السجود في التراب. وقال ابن عباس، وخالد الحنفي، وعطية : وعد لهم بأن يجعل لهم نوراً يوم القيامة من أثر السجود. وقال ابن عباس أيضاً : السمت : الحسن وخشوع يبدو على الوجه. وقال الحسن، ومعمر بن عطية : بياض وصفرة وبهيج يعتري الوجه من السهر. وقال عطاء، والربيع بن أنس : حسن يعتري وجوه المصلين. وقال منصور : سألت مجاهداً : هذه السيما هي الأثر يكون بين عيني الرجل ؟ قال : لا، وقد تكون مثل ركبة البعير، وهي أقسى قلباً من الحجارة. وقال ابن جبير : ذلك مما يتعلق بجباههم من الأرض عند السجود. وقال الزمخشري : المراد بها السمة التي تحدث في جبهة السجاد من كثرة السجود. وقوله :﴿مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ يفسرها : أي من التأثير الذي يؤثره السجود. وكان كل من العليين، علي بن الحسين زين العابدين، وعلي بن عبد الله بن العباس أبي الملوك، يقال له ذو الثفنات، لأن كثرة سجودهما أحدثت في مواقعه منهما أشباه ثفنات البعير. انتهى. وقرأ ابن هرمز : إثر، بكسر الهمزة وسكون الثاء، والجمهور بفتحهما. وقرأ قتادة : من آثار السجود، بالجمع.