﴿ذَالِكَ﴾ : أي ذلك الوصف من كونهم أشداء رحماء مبتغين سيماهم في وجوههم صفتهم في التوراة. قال مجاهد والفراء : هو مثل واحد، أي ذلك صفتهم في التوراة والإنجيل، فيوقف على الإنجيل. وقال ابن عباس : هما مثلان، فيوقف على ذلك في التوراة ؛ وكزرع : خبر مبتدأ محذوف، أي مثلهم كزرع، أو هم كزرع. وقال الضحاك : المعنى ذلك الوصف هو مثلهم في التوراة وتم الكلام، ثم ابتدأ ومثلهم في الإنجيل كزرع، فعلى هذا يكون كزرع خبر ومثلهم. وقال قتادة : مثل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم في الإنجيل مكتوب أنه سيخرج من أمة محمد صلى الله عليه وسلّم قوم ينتبون نباتاً كالزرع، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون ذلك إشارة مبهمة أوضحت بقوله :﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْاَهُ﴾، كقوله :﴿وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَالِكَ الامْرَ أَنَّ دَابِرَ هَا ؤُلاءِ﴾. وقال ابن عطية : وقوله : كزرع، هو على كلا الأقوال، وفي أي كتاب أنزل، فرض مثل للنبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه في أن النبي صلى الله عليه وسلّم بعث وحده، فكان كالزرع حبة واحدة، ثم كثر المسلمون فهم كالشطء، وهو فراخ السنبلة التي تنبت حول الأصل. انتهى. وقال ابن زيد : شطأه : فراخه وأولاده. وقال الزجاج : نباته. وقال قطرب : شتول السنبل يخرج من الحبة عشر سنبلات وتسع وثمان، قاله الفراء. وقال الكسائي والأخفش : طرفه، قال الشاعر :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٨٧
أخرج الشطء على وجه الثرىومن الأشجار أفنان الثمر
وقرأ الجمهور : شطأه، بإسكان الطاء والهمزة ؛ وابن كثير، وابن ذكوان : بفتحهما ؛ وكذلك : وبالمدّ، أبو حيوة وابن أبي عبلة وعيسى الكوفي ؛ وبألف بدل الهمزة، زيد بن علي ؛ فاحتمل أن يكون مقصوراً، وأن
١٠٢
يكون أصله الهمز، فنقل الحركة وأبدل الهمزة ألفاً. كما قالوا في المرأة والكمأة : المراة والكماة، وهو تخفيف مقيس عند الكوفيين، وهو عند البصريين شاذ لا يقاس عليه. وقرأ أبو جعفر : شطه، بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على الطاء. ورويت عن شيبة، ونافع، والجحدري، وعن الجحدري أيضاً : شطوه بإسكان الطاء وواو بعدها. وقال أبو الفتح : هي لغة أو بدل من الهمزة، ولا يكون الشط إلا في البر والشعير، وهذه كلها لغات. وقال صاحب اللوامح : شطأ الزرع وأشطأ، إذا أخرج فراخه، وهو في الحنطة والشعير وغيرهما. وقرأ ابن ذكوان : فأزره ثلاثياً ؛ وباقي السبعة : فآزره، على وزن أفعله. وقرىء : فازّره، بتشديد الزاي. وقول مجاهد وغيره : آزره فاعله خطأ، لأنه لم يسمع في مضارعه إلا يؤزر، على وزن يكرم ؛ والضمير المنصوب في آزره عائد على الزرع، لأن الزرع أول ما يطلع رقيق الأصل، فإذا خرجت فراخه غلظ أصله وتقوى، وكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم كانوا أقلة ضعفاء، فلما كثروا وتقووا قاتلوا المشركين. وقال الحسن : آزره : قواه وشدّ أزره. وقال السدي : صار مثل الأصل في الطول. ﴿فَاسْتَغْلَظَ﴾ : صار من الرقة إلى الغلظ. ﴿فَاسْتَوَى ﴾ : أي تم نباته. ﴿عَلَى سُوقِهِ﴾ : جمع ساق، كناية عن أصوله. وقرأ ابن كثير : على سؤقه بالهمز. قيل : وهي لغة ضعيفة يهمزون الواو الذي قبلها ضمة، ومنه قول الشاعر :
أحب المؤقدين إليّ مؤسي
﴿يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ﴾ : جملة في موضع الحال ؛ وإذا أعجب الزراع، فهو أحرى أن يعجب غيرهم لأنه لا عيب فيه، إذ قد أعجب العارفين بعيوب الزرع، ولو كان معيباً لم يعجبهم، وهنا تم المثل. و﴿لِيَغِيظَ﴾ : متعلق بمحذوف يدل عليه الكلام قبله تقديره : جعلهم الله بهذه الصفة ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾. وقال الزمخشري : فإن قلت : ليغيظ بهم الكفار تعليل لماذا ؟ قلت : لما دل عليه تشبيههم بالزرع من نمائهم وترقيهم في الزيادة والقوّة، ويجوز أن يعلل به. ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ : لأن الكفار إذا سمعوا بما أعدّ لهم في الآخرة مع ما يعزهم به في الدنيا غاظهم ذلك. ومعنى :﴿مِنْهُمْ﴾ : للبيان، كقوله تعالى :﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الاوْثَانِ﴾. وقال ابن عطية : وقوله منهم، لبيان الجنس وليست للتبعيض، لأنه وعد مدح الجميع. وقال ابن جرير : منهم يعني : من الشطء الذي أخرجه الزرع، وهم الداخلون في الإسلام بعد الزرع إلى يوم القيامة، فأعاد الضمير على معنى الشطء لا على لفظة. والأجر العظيم : الجنة. وذكر عند مالك بن أنس رجل ينتقص الصحابة، فقرأ مالك هذه الآية وقال : من أصبح بين الناس في قلبه غيظ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقد أصابته هذه الآية، والله الموفق.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٨٧