﴿ق وَالْقُرْءَانِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَن جَآءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هذا شَىْءٌ عَجِيبٌ * أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَالِكَ رَجْعُا بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الارْضُ مِنْهُم وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظُا * بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَهُمْ فِى أَمْرٍ مَّرِيجٍ * أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالارْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنابَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجا بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً مُّبَارَكًا فَأَنابَتْنَا بِهِا جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِّزْقًا لِّلْعِبَادِا وَأَحْيَيْنَا بِهِا بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَالِكَ الْخُرُوجُ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الايْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍا كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ﴾. هذه السورة مكية، قال ابن عطية : بإجماع من المتأولين. وقال صاحب التحرير : قال ابن عباس، وقتادة : مكية إلا آية، وهي قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالارْضَ﴾ الآية. ومناسبتها لآخر ما قبلها، أنه تعالى أخبر أن أولئك الذين قالوا آمنا، لم يكن إيمانهم حقاً، وانتفاء إيمانهم دليل على إنكار نبوة الرسول صلى الله عليه وسلّم، فقال :﴿بَلْ عَجِبُوا أَن جَآءَهُم مُّنذِرٌ﴾. وعدم الإيمان أيضاً يدل على إنكار البعث، فلذلك أعقبه به. وق حرف هجاء، وقد اختلف المفسرون في مدلوله على أحد عشر قولاً متعارضة، لا دليل على صحة شيء منها، فأطرحت نقلها في كتابي هذا.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١١٨
﴿وَالْقُرْءَانَ﴾ مقسم به و﴿الْمَجِيدِ﴾ صفته، وهو الشريف على غيره من الكتب، والجواب محذوف يدل عليه ما بعده، وتقديره : أنك جئتهم منذراً بالبعث، فلم يقبلوا. ﴿بَلْ عَجِبُوا ﴾، وقيل : ما ردوا أمرك بحجة. وقال الأخفش، والمبرد، والزجاج : تقديره لتبعثن. وقيل : الجواب مذكور، فعن الأخفش قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ؛ وعن ابن كيسان، والأخفش : ما يلفظ من قول ؛ وعن نحاة الكوفة : بل عجبوا، والمعنى : لقد عجبوا. وقيل : إن في ذلك لذكرى، وهو اختيار محمد بن علي الترمذي. وقيل : ما يبدل القول لديّ، وهذه كلها أقوال ضعيفة. وقرأ الجمهور : قاف بسكون الفاء، ويفتحها عيسى، ويكسرها الحسن وابن أبي إسحاق وأبو السمال ؛ وبالضم : هارون وابن السميفع والحسن أيضاً ؛ فيما نقل ابن خالويه. والأصل في حروف المعجم، إذا لم تركب مع عامل، أن تكون موقوفة. فمن فتح قاف، عدل إلى الحركات ؛ ومن كسر، فعلى أصل التقاء الساكنين ؛ ومن ضم، فكما ضم قط ومنذ وحيث.
﴿بَلْ عَجِبُوا أَن جَآءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ﴾ : إنكار لتعجبهم مما ليس بعجب، وهو أن ينذرهم بالخوف رجل منهم قد عرفوا صدقه وأمانته ونصحه، فكان المناسب أن لا يعجبوا، وهذا مع اعترافهم بقدرة الله تعالى، فأي بعد في أن يبعث من يخوف وينذر بما يكون في المآكل من البعث والجزاء. والضمير في ﴿بَلْ عَجِبُوا ﴾ عائد على الكفار، ويكون قوله :﴿فَقَالَ الْكَافِرُونَ﴾ تنبيهاً على القلة الموجبة للعجب، وهو أنهم قد جبلوا على الكفر، فلذلك عجبوا. وقيل : الضمير عائد على الناس، قيل : لأن كل مفطور يعجب من بعثة بشر رسولاً من الله، لكن من وفق نظر فاهتدى وآمن، ومن خذل ضل وكفر ؛ وحاج بذلك العجب والإشارة بقولهم :﴿هَاذَا شَىْءٌ عَجِيبٌ﴾، الظاهر أنها إلى مجيء منذر من البشر. وقيل : إلى ما تضمنه الإنذار، وهو الإخبار بالبعث. وقال الزمخشري : وهذا إشارة إلى المرجع. انتهى، وفيه بعد.
وقرأ الجمهور : بالاستفهام، وهم على أصولهم في تحقيق الثانية وتسهيلها والفصل بينهما. وقرأ الأعرج، وشيبة، وأبو جعفر، وابن وثاب، والأعمش، وابن عتبة عن ابن عامر : إذا بهمزة واحدة على صورة الخبر، فجاز أن يكون استفهاماً حذفت منه الهمزة، وجاز أن يكونوا عدلوا إلى الخبر وأضمر جواب إذا، أي إذا متنا وكنا تراباً رجعنا. وأجاز صاحب اللوامح أن يكون الجواب رجع بعيد على تقدير حذف الفاء، وقد أجاز بعضهم في جواب الشرط ذلك إذا كان جملة اسمية، وقصره أصحابنا على الشعر في الضرورة. وأما في قراءة الاستفهام، فالظرف منصوب بمضمر، أي : أنبعث إذا متنا ؟ وإليه الإشارة بقوله ذلك، أي البعث.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١١٨


الصفحة التالية
Icon