﴿ذَلِكَ رَجْعُا بَعِيدٌ﴾، أي مستبعد في الأوهام والفكر. وقال الزمخشري : وإذا منصوب بمضمر معناه : أحين نموت ونبلى نرجع ؟ انتهى. وأخذه من قول ابن جني، قال ابن جني : ويحتمل أن يكون المعنى : أئذا متنا بعد رجعنا، فدل رجع بعيد على هذا الفعل، ويحل محل الجواب لقولهم أئذا. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون الرجع بمعنى المرجوع، وهو الجواب،
١٢٠
ويكون من كلام الله تعالى استبعاداً لإنكارهم ما أنذروا به من البعث، والوقف قبله على هذا التفسير حسن. فإن قلت : فما ناصب الظرف إذا كان الرجع بمعنى المرجوع ؟ قلت : ما دل عليه المنذر من المنذر به، وهو البعث. انتهى. وكون ذلك رجع بعيد بمعنى مرجوع، وأنه من كلام الله تعالى، لا من كلامهم، على ما شرحه مفهوم عجيب ينبو عن إدراكه فهم العرب.
﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الارْضُ مِنْهُمْ﴾ : أي من لحومهم وعظامهم وآثارهم، قاله ابن عباس ومجاهد والجمهور، وهذا فيه رد لاستبعادهم الرجع، لأن من كان عالماً بذلك، كان قادراً على رجعهم. وقال السدي : أي ما يحصل في بطن الأرض من موتاهم، وهذا يتضمن الوعيد. ﴿وَعِندَنَا كِتَـابٌ حَفِيظُ﴾ : أي حافظ لما فيه جامع، لا يفوت منه شيء، أو محفوظ من البلى والتغير. وقيل : هو عبارة عن العلم والإحصاء. وفي الخبر الثابت أن الارض تأكل ابن آدم الأعجب الذنب، وهو عظم كالخردلة منه يركب ابن آدم.
﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ﴾ : وقدروا قبل هذا الإضراب جملة يكون مضروباً عنها، أي ما أجادوا والنظر، بل كذبوا. وقيل : لم يكذبوا المنذر، بل كذبوا، والغالب أن الإضراب يكون بعد جملة منفية. وقال الزمخشري : بل كذبوا : إضراب أتبع الإضراب الأول للدلالة على أنهم جاءوا بما هو أفظع من تعجبهم، وهو التكذيب بالحق الذي هو النبوة الثابتة بالمعجزات. انتهى. وكان هذا الإضراب الثاني بدلاً من الأول، وكلاهما بعد ذلك الجواب الذي قدرناه جواباً للقسم، فلا يكون قبل الثانية ما قدروه من قولهم : ما أجادوا النظر، ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ﴾، والحق : القرآن، أو البعث، أو الرسول صلى الله عليه وسلّم، أو الإسلام، أقوال. وقرأ الجمهور :﴿لَمَّا جَآءَهُمْ﴾ : أي لم يفكروا فيه، بل بأول ما جاءهم كذبوا ؛ والجحدري : لما جاءهم، بكسر اللام وتخفيف الميم، وما مصدرية، واللام لام الجر، كهي في قولهم كتبته لخمس خلون أي عند مجيئهم إياه. ﴿فَهُمْ فِى أَمْرٍ مَّرِيجٍ﴾، قال الضحاك، وابن زيد : مختلط : مرة ساحر، ومرة شاعر، ومرة كاهن. قال قتادة : مختلف. وقال الحسن : ملتبس. وقال أبو هريرة : فاسد. ومرجت أمانات الناس : فسدت، ومرج الدين : اختلط. قال أبو واقد :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١١٨
ومرج الدين فأعددت لهمسرف الحارك محبوك الكند
وقال ابن عباس : المريج : الأمر المنكر، وعنه أيضاً مختلط، وقال الشاعر :
فجالت والتمست لها حشاهافخر كأنه خوط مريج
والأصل فيه الاضطراب والقلق. مرج الخاتم في أصبعي، إذا قلق من الهزال. ويجوز أن يكون الأمر المريج، باعتبار انتقال أفكارهم فيما جاء به المنذر قائلاً عدم قبولهم أول إنذاره إياهم، ثم العجب منهم، ثم استعباد البعث الذي أنذر به، ثم التكذيب لما جاء به. ﴿أَفَلَمْ يَنظُرُوا ﴾ حين كفروا بالبعث وبما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلّم إلى آثار قدرة الله تعالى في العالم العلوي والسفلي، ﴿كَيْفَ بَنَيْنَـاهَا﴾ مرتفعة من غير عمد، ﴿وَزَيَّنَّـاهَا﴾ بالنيرين وبالنجوم، ﴿وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ﴾ : أي من فتوق وسقوف، بل هي سليمة من كل خلل.
﴿وَالارْضَ مَدَدْنَـاهَا﴾ : بسطناها، ﴿وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ﴾، أي جبالاً ثوابت تمنعها من التكفؤ، ﴿مِن كُلِّ زَوْج﴾ : أي نوع، ﴿بَهِيجٍ﴾ : أي حسن المنظر بهيج، أي يسر من نظر إليه. وقرأ الجمهور :﴿تَبْصِرَةً وَذِكْرَى ﴾ بالنصب، وهما منصوبان بفعل مضمر من لفظهما، أي بصر وذكر. وقيل : مفعول من أجله. وقرأ زيد بن علي : تبصرة بالرفع، وذكر معطوف عليه، أي ذلك الخلق على ذلك الوصف تبصرة، والمعنى : يتبصر بذلك ويتذكر، ﴿لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ﴾ : أي راجع إلى ربه مفكر في بدائع صنعه. ﴿مَآءً مُّبَـارَكًا﴾ : أي كثير المنفعة، ﴿وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾ : أي الحب الحصيد، فهو من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، كما يقوله البصريون، والحصيد : كل ما يحصد مما له حب، كالبر والشعير. ﴿بَاسِقَـاتٍ﴾ : أي طوالاً في العلو، وهو منصوب على الحال،
١٢١


الصفحة التالية
Icon