لَعبتْ بَعْدِي السُّيُولُ بهِ... وجَرَى في رَوْنَقٍ رِهمُهْ (١)
لِلفَتَى عَقْلٌ يَعِيشُ بِهِ... حَيْثُ تَهْدِي سَاقَه قَدَمُهْ (٢)
أي تَرِدُ به الموارد.
وفي قول الله جل ثناؤه( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) ما ينبئ عن خطأ هذا التأويل، مع شهادة الحجة من المفسِّرين على تخطئته. وذلك أنّ جميع المفسرين من الصحابة والتابعين مجمِعُون على أنّ معنى " الصراط " في هذا الموضع، غيرُ المعنى الذي تأوله قائل هذا القول، وأن قوله: " إياك نستعينُ" مسألةُ العبدِ ربَّه المعونةَ على عبادته. فكذلك قوله " اهْدِنا " إنما هو مسألةُ الثباتِ على الهدى فيما بقي من عُمُره.
والعربُ تقول: هديتُ فلانًا الطريقَ، وهَديتُه للطريق، وهديتُه إلى الطريق، إذا أرشدتَه إليه وسدَّدته له. وبكل ذلك جاء القرآن، قال الله جلّ ثناؤه:( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا ) [سورة الأعراف: ٤٣]، وقال في موضع آخر:( اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [سورة النحل: ١٢١]، وقال:( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ).
وكل ذلك فاش في منطقها، موجودٌ في كلامها، من ذلك قول الشاعر:
أَسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ،... رَبَّ العِباد، إليهِ الوَجْهُ والعَمَلُ (٣)
(٢) يقول : حيث سار الفتى عاش بعقله وتدبيره واجتهاده.
(٣) يأتي في تفسير آية سورة آل عمران : ١٢١، وآية سورة القصص : ٨٨. وسيبويه ١ : ١٧، والخزانة ١ : ٤٨٦، وهو من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف قائلها. قال الشنتمري :"أراد من ذنب، فحذف الجار وأوصل الفعل فنصب" والذنب هنا اسم جنس بمعنى الجمع. فلذلك قال :"لست محصيه". والوجه : القصد والمراد، وهو بمعنى التوجه".