الذين أهلكناهم قرنًا آخرين، فابتدأنَا سِواهم.
* * *
فإن قال قائل: فما وجهُ قوله:"مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم" ؟ ومن المخاطب بذلك؟ فقد ابتدأ الخبر في أول الآية عن قوم غَيَبٍ بقوله:"ألم يروا كم أهلكنا من قَبَلهم من قرن" ؟
قيل: إن المخاطب بقوله:"ما لم نمكن لكم"، هو المخبر عنهم بقوله:"ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن"، ولكن في الخبر معنى القول = ومعناه: قُلْ، يا محمد، لهؤلاء القوم الذين كذبوا بالحقِّ لما جاءهم: ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قَرْن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم.
والعرب إذا أخبرت خبرًا عن غائبٍ، وأدخلت فيه"قولا"، فعلت ذلك، فوجهت الخبرَ أحيانًا إلى الخبر عن الغائب، وأحيانًا إلى الخطاب، فتقول:"قلت لعبد الله: ما أكرمه"، و"قلت لعبد الله: ما أكرمك"، وتخبر عنه أحيانًا على وجه الخبر عن الغائب، ثم تعود إلى الخطاب. وتخبر على وجه الخطاب له، ثم تعود إلى الخبر عن الغائب. وذلك في كلامها وأشعارها كثيرٌ فاشٍ. وقد ذكرنا بعض ذلك فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (١)
* * *
وقد كان بعض نحويي البصرة يقول في ذلك: كأنه أخبرَ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خاطبه معهم. وقال: حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ [سورة يونس: ٢٢]، فجاء بلفظ الغائب، وهو يخاطب، لأنه المخاطَب.
* * *