قال أبو جعفر: وفي هذا بيان واضح على فساد ما يقول القدرية، (١) من أن كل من كفر أو آمن فبتفويض الله أسبابَ ذلك إليه، (٢) وأن السبب الذي به يصل المؤمن إلى الإيمان، هو السبب الذي به يصل الكافر إلى الكفر. وذلك أنّ ذلك لو كان كما قالوا: لكان الخبيث قد قال بقوله:(فبما أغويتني)، "فبما أصلحتني"، إذ كان سبب"الإغواء" هو سبب"الإصلاح"، وكان في إخباره عن الإغواء إخبارٌ عن الإصلاح، ولكن لما كان سبباهما مختلفين، وكان السبب الذي به غوَى وهلك من عند الله. أضاف ذلك إليه فقال:(فبما أغويتني).
* * *
وكذلك قال محمد بن كعب القرظي، فيما:-
١٤٣٦٣- حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا زيد بن الحباب قال، حدثنا أبو مودود، سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: قاتل الله القدريّة، لإبليس أعلمُ بالله منهم !
* * *
وأما قوله:(لأقعدن لهم صراطك المستقيم)، فإنه يقول: لأجلسن لبني آدم"صراطك المستقيم"، يعني: طريقك القويم، وذلك دين الله الحق، وهو الإسلام وشرائعه. (٣) وإنما معنى الكلام: لأصدَّن بني آدم عن عبادتك وطاعتك، ولأغوينهم كما أغويتني، ولأضلنهم كما أضللتني.
وذلك كما روي عن سبرة بن أبي الفاكه:- (٤)
١٤٣٦٤- أنه سمع النبي ﷺ يقول: إن الشيطان قعد لابن آدم
(٢) (( التفويض ))، رد الأسباب إليه، وانظر بيان ذلك فيما سلف ١ : ١٦٢، تعليق : ٣ /١١ : ٣٤٠، /١٢ : ٩٢، وهو مقالة المعتزلة وأشباههم.
(٣) انظر تفسير (( الصراط المستقيم ))، فيما سلف ص : ٢٨٢، تعليق : ١، والمراجع هناك.
(٤) في المطبوعة :(( سبرة بن الفاكه ))، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب. انظر التعليق التالي ص ٣٣٥، تعليق : ٢ :