قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب: قولُ من قال:"وأسرَّ وارد القوم المدلي دلوَه ومن معه من أصحابه، من رفقته السيارة، أمرَ يوسف أنهم أشتروه، خيفةً منهم أن يستشركوهم، وقالوا لهم: هو بضاعة أبضَعَها معنا أهل الماء = وذلك أنه عقيب الخبر عنه، فلأن يكون ما وليه من الخبر خبرًا عنه، أشبهُ من أن يكون خبرًا عمَّن هو بالخبر عنه غيرُ متَّصِل (١).
* * *
وقوله:(والله عليم بما يعملون) يقول تعالى ذكره: والله ذو علم بما يعمله باعَةُ يوسف ومشتروه في أمره، لا يخفى عليه من ذلك شيء، ولكنه ترك تغيير ذلك ليمضي فيه وفيهم حكمه السابق في علمه، وليري إخوة يوسف ويوسف وأباه قدرتَه فيه. (٢)
* * *
وهذا، وإن كان خبرًا من الله تعالى ذكره عن يوسف نبيّه ﷺ، فإنه تذكير من الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم، وتسلية منه له عما كان يلقى من أقربائه وأنسبائه المشركين من الأذى فيه، يقول : فاصبر، يا محمد، على ما نالك في الله، فإنّي قادرٌ على تغيير ما ينالك به هؤلاء المشركون، كما كنت قادرًا على تغيير ما لقي يوسف من إخوته في حال ما كانوا يفعلون به ما فعلوا، ولم يكن تركي ذلك لهوان يوسف عليّ، ولكن لماضي علمي فيه وفي إخوته، فكذلك تركي تغييرَ ما ينالك به هؤلاء المشركون لغير هوان بك عليّ، ولكن لسابق علمي فيك وفيهم، ثم يصير أمرُك وأمرهم إلى عُلوّك عليهم، وإذعانهم لك، كما صار أمر إخوة يوسف إلى الإذعان ليوسف بالسؤدد عليهم، وعلوِّ يوسف عليهم. (٣)
* * *

(١) انظر تفسير" الإسرار" فيما سلف ١٥ : ١٠٣، ٢٣٩.
(٢) انظر تفسير" عليم" فيما سلف من فهارس اللغة ( علم ).
(٣) عند هذا الموضع انتهى الجزء الثاني عشر من مخطوطتنا، وفي آخرها ما نصه :" نجز الجزء الثاني عشر، بحمد الله وعونه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم يتلوه في أول الجزء الثالث عشر إن شاء الله تعالى : القول في تأويل قوله تعالى :﴿ وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين ﴾ وكان الفراغ منه في شهر رمضان المعظم سنة خمس عشرة وسبعمئة".
يتلوه الجزء الثالث عشر، وأوله ما نصه :
" بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر"


الصفحة التالية
Icon