عليه، فراعه دخولهما كذلك عليه. وقيل: إن فزعه كان منهما، لأنهما دخلا عليه ليلا في غير وقت نظره بين الناس; قالوا:( لا تَخَفْ ) يقول تعالى ذكره: قال له الخصم: لا تخف يا داود، وذلك لمَّا رأياه قد ارتاع من دخولهما عليه من غير الباب. وفي الكلام محذوف استغني بدلالة ما ظهر من الكلام منه، وهو مرافع خصمان، وذلك نحن. وإنما جاز ترك إظهار ذلك مع حاجة الخصمين إلى المرافع، لأن قوله( خَصْمَانِ ) فعل للمتكلم، والعرب تضمر للمتكلم والمكلم والمخاطب ما يرفع أفعالهما، ولا يكادون أن يفعلوا ذلك بغيرهما، فيقولون للرجل يخاطبونه: أمنطلق يا فلان ويقول المتكلم لصاحبه: أحسن إليك وتجمل، وإنما يفعلون ذلك كذلك في المتكلم والمكَّلم، لأنهما حاضران يعرف السامع مراد المتكلم إذا حُذف الاسم، وأكثر ما يجيءُ ذلك في الاستفهام، وإن كان جائزا في غير الاستفهام، فيقال: أجالس راكب؟ فمن ذلك قوله خَصْمان; ومنه قول الشاعر:
وَقُولا إذا جاوَزْتُمَا أرْضَ عامِرٍ... وَجَاوَزْتُمَا الحَيْين نَهْدًا وَخَشْعَما نزيعانِ مِنْ جَرْمِ بْنِ رَبَّانَ إنهمْ... أبَوْا أنْ يُميرُوا في الهَزَاهِزِ مِحْجَما (١)
وقول الآخر:
تَقُولُ ابْنَةُ الكَعْبِيّ يوْمَ لَقِيتُها... أمُنْطَلِقٌ فِي الجَيشِ أمْ مُتَثَاقِلُ (٢)

(١) البيتان : من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة ٢٧٨ ) على أن خصمان من قوله تعالى :" قالوا خصمان" : رفع بإضمار نحن. قال : والعرب تضمر للمتكلم والمخاطب ما يرفع فعله، ولا يكادون يفعلون ذلك بغير المخاطب أو المتكلم. من ذلك أن تقول للرجل : أذاهب ؟ أو أن يقول المتكلم : واصلكم إن شاء الله، ومحسن إليكم. من ذلك أن تقول للرجل : أذاهب ؟ أو أن يقول المتكلم : واصلكم إن شاء الله، ومحسن إليكم. وذلك أن المتكلم والمكلم حاضران فتعرف معنى أسمائها إذ تركت. وأكثره في الاستفهام، يقولون : أجاد ؟ أمنطق وقد يكون في غير الاستفهام. فقوله" خصمان" من ذلك. وقال الشاعر :" وقولا إذا..." البيتين. وقد جاء في آثار للراجع من سفر :" تائبون آيبون، لربنا حامدون"..... الخ. قلت : والشاهد في البيتين قوله" نزيعان" : أي نحن نزيعان. فهو مرفوع على تقدير مضمر قبله، وإن لم يكن معه استفهام
(٢) وهذا البيت أيضاً من شواهد الفراء في معاني القرآن، على أنه قد يكون المبتدأ محذوفاً ويكثر أن يكون ذلك مع وجود الاستفهام في الكلام، كقوله في البيت : أمنطلق في الجيش أم متثاقل ؟ أي أأنت منطلق... الخ.


الصفحة التالية
Icon