أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:( أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ ) يقول: أحسبتم أن نصفح عنكم ولما تفعلوا ما أمرتم به.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أفنترك تذكيركم بهذا القرآن، ولا نذكركم به، لأن كنتم قوما مسرفين.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ ) : أي مشركين، والله لو كان هذا القرآن رفع حين ردّه أوائل هذه الأمة لهلكوا، فدعاهم إليه عشرين سنة، أو ما شاء الله من ذلك.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله:( أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا ) قال: لو أن هذه الأمة لم يؤمنوا لضرب عنهم الذكر صفحا، قال: الذكر ما أنزل عليهم مما أمرهم الله به ونهاهم صفحا، لا يذكر لكم منه شيئا.
وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من تأوّله: أفنضرب عنكم العذاب فنترككم ونعرض عنكم، لأن كنتم قوما مسرفين لا تؤمنون بربكم.
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية، لأن الله تبارك وتعالى أتبع ذلك خبره عن الأمم السالفة قبل الأمم التي توعدها بهذه الآية في تكذيبها رسلها، وما أحل بها من نقمته، ففي ذلك دليل على أن قوله:( أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا ) وعيد منه للمخاطبين به من أهل الشرك، إذ سلكوا في التكذيب بما جاءهم عن الله رسولهم مسلك الماضين قبلهم.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة"إنْ كُنْتُمْ" بكسر الألف من"إن" بمعنى: أفنضرب عنكم الذكر صفحا إذ كنتم قوما مسرفين. وقرأه بعض قرّاء أهل مكة والكوفة وعامة قرّاء البصرة"أنْ" بفتح الألف من"أنْ"، بمعنى: لأن كنتم.