إِذَا عَسْعَسَ ) قال: أشار بيده إلى المغرب.
وأولى التأويلين في ذلك بالصواب عندي قول من قال: معنى ذلك: إذا أدبر، وذلك لقوله:( وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ) فدلّ بذلك على أن القسم بالليل مدبرًا، وبالنهار مقبلا والعرب تقول: عسعس الليل، وسَعْسَع الليل: إذا أدبر، ولم يبق منه إلا اليسير؛ ومن ذلك قول رُؤْبة بن العجاج:
يا هِنْدُ ما أسْرَعَ ما تَسَعْسَعا... وَلَوْ رَجا تَبْعَ الصِّبا تَتَبَّعا (١)
فهذه لغة من قال: سعسع؛ وأما لغة من قال: عسعس، فقول علقمة بن قُرْط:
حتى إذَا الصُّبْحُ لَهَا تَنَفَّسا... وانْجابَ عَنْها لَيْلُها وَعَسْعَسا (٢)
يعني أدبر. وقد كان بعض أهل المعرفة بكلام العرب، يزعم أن عسعس: دنا من أوّله وأظلم. وقال الفراء: كان أبو البلاد النحوي ينشد بيتا:
عَسْعَسَ حتى لَوْ يشاءُ إدَّنا... كانَ لَه مِنْ ضَوْئِهِ مَقْبَسُ (٣)
يقول: لو يشاء إذ دنا، ولكنه أدغم الذال في الدال، قال الفراء: فكانوا يرون أن هذا البيت مصنوع.
وقوله:( وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ) يقول: وضوء النهار إذا أقبل وتبين.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

(١) الجبرية والجبروت واحد، وهو من صفات الله العلي. الجبار : القاهر فوق عباده، يقهرهم على ما أراد من أمر ونهي، سبحانه وتعالى.
(٢) الصغرة جمع صاغر : وهو الراضي بالذل المقر به. والأذلة جمع ذليل.
(٣) الخبر ١٦٦ - سبق الكلام مفصلا في ضعف هذا الإسناد ١٣٧. وهذا الخبر، مع باقيه الآتي ١٦٧ نقله ابن كثير ١ : ٤٦ دون إسناد ولا نسبة، ونقله السيوطي ١ : ١٤ ونسبه أيضًا لابن أبي حاتم. وقال ابن كثير :" وكذلك قال غيره من الصحابة والتابعين والسلف. وهو ظاهر".


الصفحة التالية
Icon