هو بها قبل حال موته (١) فيقال لما قرَّب المشركون لآلهتهم فسموه لهم:"هو ما أهل لغير الله به"، بمعنى سمى قربانًا لغير الله. وكذلك"المنخنقة"، إذا انخنقت وإن لم تمت، فهي منخنقة. وكذلك سائر ما حرمه الله جل وعز بعد قوله:"وما أهل لغير الله به"، إلا بالتذكية، فإنه يوصف بالصفة التي هو بها قبل موته، فحرمه الله على عباده إلا بالتذكية المحللة، دون الموت بالسبب الذي كان به موصوفًا. فإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية: وحرم عليكم ما أهل لغير الله به والمنخنقة وكذا وكذا وكذا، إلا ما ذكيتم من ذلك.
فـ"ما" = إذ كان ذلك تأويله = في موضع نصب بالاستثناء مما قبلها. وقد يجوز فيه الرفع.
وإذ كان الأمر على ما وصفنا، فكل ما أدركت ذكاتُه من طائر أو بهيمة قبل خروج نفسه، ومفارقة روحه جسدَه، فحلال أكله، إذا كان مما أحلَّه الله لعباده.
* * *
فإن قال لنا قائل: فإذ كان ذلك معناه عندك، فما وجه تكريره ما كرّر بقوله:"وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية"، وسائر ما عدَّد تحريمه في هذه الآية، وقد افتتح الآية بقوله:"حرمت عليكم الميتة"؟ وقد علمت أن قوله:"حرمت عليكم الميتة"، شامل كل ميتة، كان موته حتف أنفه من علة به من غير جناية أحد عليه، أو كان موته من ضرب ضاربٍ إياه، أو انخناق منه، أو انتطاح، أو فَرْس سبع؟ وهلا كان قوله = إن كان الأمر على ما وصفت في ذلك، من أنه معنيٌّ بالتحريم في كل ذلك: الميتة بالانخناق والنطاح والوقذ وأكل السبع أو غير ذلك، دون أن يكون معنيًّا به تحريمه إذا تردّى أو انخنق أو فرسه السبع، فبلغ ذلك منه ما يعلم أنه لا يعيش مما أصابه منه إلا باليسير من الحياة (٢)

(١) في المخطوطة: "موتها"، وهما سواء.
(٢) سياق هذه العبارة المطولة: "وهلا كان قوله..: حرمت عليكم الميتة، مغنيًا من تكرير ما كرر.. وتعداده ما عدد"، وما بينهما فصل وضعته بين خطين.


الصفحة التالية
Icon