المسألة الحادية عشرة في إطلاق لفظ الماهية عليه اعلم أن لفظ الماهية ليس لفظا مفردا بحسب أصل اللغة بل الرجل إذا أراد أن يسأل عن حقيقة من الحقائق فإنه يقول ما تلك الحقيقة وما هي وكان النبي يقول أرنا الأشياء كما هي فلما كثر السؤال عن معرفة الحقائق بهذه اللفظة جعلوا مجموع قولنا ما هي كاللفظة المفردة ووضعوا هذه اللفظة بإزاء الحقيقة فقالوا ماهية الشيء أي حقيقته المخصوصة وذاته المخصوصة
المسألة الثانية عشرة
في إطلاق لفظ الحق اعلم أن هذا اللفظ إن أطلق على ذات الشيء كان المراد كونه موجودا وجودا حقيقيا في نفسه والدليل عليه أن الحق مقابل للباطل والباطل هو المعدوم قال لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل
فلما كان مقابل الحق هو المعدوم وجب أن يكون الحق هو الموجود وأما إن أطلق لفظ الحق على الاعتقاد كان المراد أن ذلك الاعتقاد صواب مطابق للشيء في نفسه وإنما سمي هذا الاعتقاد بالحق لأنه إذا كان صوابا مطابقا كان واجب التقرير والإبقاء وأما إن أطلق لفظ الحق على القول والخبر كان المراد أن ذلك الإخبار صدق مطابق لأنه إذا كان كذلك كان ذلك القول واجب التقرير والإبقاء إذا ثبت هذا فنقول إن الله تعالى هو المستحق لاسم الحق أما بحسب ذاته فلأنه هو الموجود الذي يمتنع عدمه وزواله وأما بحسب الاعتقاد فلأن اعتقاد وجوده ووجوبه هو الاعتقاد الصواب المطابق الذي لا يتغير من هذه الصفة وأما بحسب الأخبار والذكر فلان هذا الخبر أحق الأخبار بكونه صدقا واجب التقرير فثبت أنه تعالى هو الحق بحسب جميع الاعتبارات والمفهومات والله الموفق الهادي
القسم الثاني من هذا الباب الأسماء الدالة على كيفية الوجود
اعلم أن الكلام في هذا الباب يجب أن يكون مسبوقا بمقدمات عقلية المقدمة الأولى اعلم أن كونه تعالى أزليا أبديا لا يوجب القول بوجود زمان لا آخر له وذلك لأنا نقول كون الشيء دائم الوجود في ذاته إما أن يتوقف على حصوله في زمان أو لا يتوقف عليه فإن لم يتوقف عليه فهو المقصود لأن على هذا التقدير يكون تعالى أزليا أبديا من غير حاجة إلى القول بوجود زمان آخر وأما إن توقف عليه فنقول ذلك الزمان إما أن يكون أزليا أو لا يكون ذلك الزمان أزليا فالتقدير هو أن كونه أزليا لا يتقرر إلا بسبب زمان آخر فحينئذ يلزم افتقار الزمان إلى زمان آخر فيلزم التسلسل وأما أن قلنا أن ذلك الزمان ليس أزليا فحينئذ قد كان الله أزليا موجودا قبل ذلك الزمان وذلك يدل على أن الدوام لا يفتقر إلى وجود زمان آخر وهو المطلوب فثبت أن كونه تعالى أزليا لا يوجب الاعتراف بكون الزمان أزليا المقدمة الثانية أن الشيء كلما كان أزليا كان باقيا لكن لا يلزم من كون الشيء باقيا كونه أزليا ولفظ الباقي ورد في القرآن قال الله تعالى ويبقى وجه ربك الرحمن ٢٧ وأيضا قال تعالى كل شيء هالك إلا وجهه القصص ٨٨ والذي لا يصير هالكا يكون باقيا لا محالة وأيضا قال تعالى هو الأول والآخر الحديد ٣ فجعله أولا لكل سواه وما كان أولا لكل ما سواه امتنع أن يكون له أول إذ لو كان له أول لامتنع أن يكون أولا لأول نفسه ولو كان له آخر لامتنع كونه آخرا لأول نفسه فلما كان أولا لكل ما سواه