افتقارها إلى المبقي والمربي حال بقائها هو الذي وقع فيه الخلاف فخصه سبحانه بالذكر تنبيها على أن كل ما سوى الله فإنه لا يستغني عنه لا في حال حدوثه ولا في حال بقائه اللطيفة الثالثة أن هذه السورة مسماة بأم القرآن فوجب كونها كالأصل والمعدن وأن يكون غيرها كالجداول المتشعبة منه فقوله رب العالمين تنبيه على أن كل موجود سواه فإنه دليل على إلهيته ثم إنه تعالى افتتح سورا أربعة بعد هذه السورة بقوله الحمد لله فأولها سورة الأنعام وهو قوله الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور الأنعام ١ واعلم أن المذكور ههنا قسم من أقسام قوله رب العالمين لأن لفظ العالم يتناول كل ما سوى الله والسموات والأرض والنور والظلمة قسم من أقسام ما سوى الله فالمذكور في أول سورة الأنعام كأنه قسم من أقسام ما هو مذكور في أول سورة الفاتحة وأيضا فالمذكور في أول سورة الأنعام أنه خلق ا لسماوات والأرض والمذكور في أول سورة الفاتحة كونه ربا للعالمين وقد بينا أنه متى ثبت أن العالم محتاج حال بقائه إلى إبقاء الله كان القول باحتياجه حال حدوثه إلى المحدث أولى أما لا يلزم من احتياجه إلى المحدث حال حدوثه احتياجه إلى المبقي حال بقائه فثبت بهذين الوجهين أن المذكور في أول سورة الأنعام يجري مجرى قسم من أقسام ما هو مذكور في أول سورة الفاتحة وثانيها سورة الكهف وهو قوله الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب والمقصود منه تربية الأرواح بالمعارف فإن الكتاب الذي أنزله على عبده سبب لحصول المكاشفات والمشاهدات فكان هذا إشارة إلى التربية الروحانية فقط وقوله في أول سورة الفاتحة رب العالمين إشارة إلى التربية العامة في حق كل العالمين ويدخل فيه التربية الروحانية للملائكة والإنس والجن والشياطين والتربية الجسمانية الحاصلة في السماوات والأرضين فكان المذكور في أول سورة الكهف نوعا من أنواع ما ذكره في أول الفاتحة وثالثها سورة سبأ وهو قوله الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض سبأ ١ فبين في أول سورة الأنعام أن السماوات والأرض له وبين في أول سورة سبأ أن الأشياء الحاصلة في السماوات والأرض له وهذا أيضا قسم من الأقسام الداخلة تحت قوله الحمد لله رب العالمين ورابعها قوله الحمد لله فاطر السماوات والأرض فاطر ١ والمذكور في أول سورة الأنعام كونه خالقا لها والخلق هو التقدير والمذكور في هذه السورة كونه فاطرا لها ومحدثا لذواتها وهذا غير الأول إلا أنه أيضا قسم من الأقسام الداخلة تحت قوله الحمد لله رب العالمين ثم إنه تعالى لما ذكر في سورة الأنعام كونه خالقا للسموات والأرض ذكر كونه جاعلا للظلمات والنور أما في سورة الملائكة فلما ذكر كونه فاطر السماوات والأرض ذكر كونه جاعلا الملائكة رسلا ففي سورة الأنعام ذكر بعد تخليق السماوات والأرض جعل الأنوار والظلمات وذكر في سورة الملائكة بعد كونه فاطر السماوات والأرض جعل الروحانيات وهذه أسرار عجيبة ولطائف عالية إلا أنها بأسرها تجري مجرى الأنواع الداخلة تحت البحر الأعظم المذكور في قوله الحمد لله رب العالمين فهذا هو التنبيه على أن قوله رب العالمين يجري مجرى ذكر الدليل على وجود الإله القديم