الفصل الثامن
في السبب المقتضي لاشتمال بسم الله الرحمن الرحيم على الأسماء الثلاثة
وفيه وجوه ( الأول ) لا شك أنه تعالى يتجلى لعقول الخلق إلا أن لذلك التجلي ثلاث مراتب فإنه في أول الأمر يتجلى بأفعاله وآياته وفي وسط الأمر يتجلى بصفاته وفي آخر الأمر يتجلى بذاته قيل إنه تعالى يتجلى لعامة عباده بأفعاله وآياته قال ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام الشورى ٣٢ وقال إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات آل عمران ١٩٠ ثم يتجلى لأوليائه بصفاته قال ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا آل عمران ١٩١ ويتجلى لأكابر الأنبياء ورؤساء الملائكة بذاته قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون الأنعام ٩١ إذا عرفت هذا فنقول اسم الله عز وجل أقوى الأسماء في تجلي ذاته لأنه أظهر الأسماء في اللفظ وأبعدها معنى عن العقول فهو ظاهر باطن يعسر إنكاره ولا تدرك أسراره قال الحسين بن منصور الحلاج اسم الله مع الخلق قد تاهوا به ولها
ليعلموا منه معنى من معانيه
والله ما وصلوا منه إلى سبب
حتى يكون الذي أبداه مبديه
وقال أيضا يا سر سر يدق حتى
يخفى على وهم كل حي
فظاهرا باطنا تجلى
لكل شيء بكل شيء
وأما اسمه الرحمن فهو يفيد تجلى الحق بصفاته العالية ولذلك قال قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعو فله الأسماء الحسنى الإسراء ١١٠ وأما اسمه الرحيم فهو يفيد تجلي الحق بأفعاله وآياته ولهذا السبب قال ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما غافر ٧
الفصل التاسع
في سبب اشتمال الفاتحة على الأسماء الخمسة
السبب فيه أن مراتب أحوال الخلق خمسة أولها الخلق وثانيها التربية في مصالح الدنيا وثالثها التربية في تعريف المبدأ ورابعها التربية في تعريف المعاد وخامسها نقل الأرواح من عالم الأجساد إلى دار المعاد فاسم الله منبع الخلق والإيجاد والتكوين والإبداع واسم الرب يدل على التربية بوجوه الفضل والإحسان واسم الرحمن يدل على التربية في معرفة المبدأ واسم الرحيم في معرفة المعاد حتى يحترز عما لا ينبغي ويقدم على ما ينبغي واسم الملك يدل على أنه ينقلهم من دار الدنيا إلى دار الجزاء ثم عند وصول العبد إلى هذه المقامات انتقل الكلام من الغيبة إلى الحضور فقال إياك نعبد كأنه يقول إنك إذا انتفعت بهذه الأسماء الخمسة في هذه المراتب الخمس وانتقلت إلى دار الجزاء صرت بحيث ترى الله فحينئذ تكلم معه على سبيل المشاهدة لا على سبيل المغايبة ثم قال إياك نعبد وإياك نستعين كأنه