بواسطته من أحد طرفي البحر إلى الثاني ومنه التعبير لأنه ينتقل مما يراه في النوم إلى المعاني الغائبة والثاني ع ر ب ومنه تسمية العرب بالعرب لكثرة انتقالاتهم بسبب رحلة الشتاء والصيف ومنه فلان أعرب في كلامه لأن اللفظ قبل الإعراب يكون مجهولا فإذا دخله الإعراب انتقل إلى المعرفة والبيان والثالث ب ر ع ومنه فلان برع في كذا إذا تكامل وتزايد الرابع ب ع ر ومنه البعر لكونه منتقلا من الداخل إلى الخارج الخامس ر ع ب ومنه يقال للخوف رعب لأن الإنسان ينتقل عند حدوثه من حال إلى حال أخرى والسادس ر ب ع ومنه الربع لأن الناس ينتقلون منها وإليها
المسالة العاشرة
قال أكثر النحويين الكلمة غير الكلام فالكلمة هي اللفظة المفردة والكلام هو الجملة المفيدة وقال أكثر الأصوليين إنه لا فرق بينهما فكل واحد منهما يتناول المفرد والمركب وابن جني وافق النحويين واستبعد قول المتكلمين وما رأيت في كلامه حجة قوية في الفرق سوى أنه نقل عن سيبويه كلاما مشعر بأن لفظ الكلام مختص بالجملة المفيدة وذكر كلمات اخرى إلا أنها في غاية الضعف أما الأصوليون فقد احتجوا على صحة قولهم بوجوه الأول أن العقلاء قد اتفقوا على أن الكلام ما يضاد الخرس والسكوت والتكلم بالكلمة الواحدة يضاد الخرس والسكوت فكان كلاما الثاني أن اشتقاق الكلمة من الكلم وهو الجرح والتأثير ومعلوم أن من سمع كلمة واحدة فإنه يفهم معناها فههنا قد حصل معنى التأثير فوجب أن يكون كلاما والثالث يصح أن يقال إن فلانا تكلم بهذه الكلمة الواحدة ويصح أن يقال أيضا أنه ما تكلم إلا بهذه الكلمة الواحدة وكل ذلك يدل على أن الكلمة الواحدة كلام وإلا لم يصح أن يقال تكلم بالكلمة الواحدة الرابع أنه يصح أن يقال تكلم فلان بكلام غير تام وذلك يدل على أن حصول الإفادة التامة غير معتبر في اسم الكلام
المسألة الحادية عشرة
تفرع على الاختلاف المذكور مسألة فقهية وهي أولى مسائل أيمان الجامع الكبير لمحمد بن الحسن رحمه الله تعالى وهي أن الرجل إذا قال لامرأته التي لم يدخل بها إن كلمتك فأنت طالق ثلاث مرات قالوا عن ذكر هذا الكلام في المرة الثانية طلقت طلقة واحدة وهل تنعقد هذه الثانية طلقة قال أبو حنيفة وصاحباه تنعقد وقال زفر لا تنعقد وحجة زفر أنه لما قال في المرة الثانية إن كلمتك فعند هذا القدر من الكلام حصل الشرط لأن اسم الكلام اسم لكل ما أفاد شيئا سواء أفاد فائدة تامة أو لم يكن كذلك وإذا حصل الشرط حصل الجزاء وطلقت عند قوله إن كلمتك فوقع تمام قوله أنت طالق خارج تمام ملك النكاح وغير مضاف إليه فوجب أن لا تنعقد وحجة أبي حنيفة أن الشرط - وهو قوله إن كلمتك - غير تام والكلام اسم للجملة التامة فلم يقع الطلاق إلا عند تمام قوله إن كلمتك فأنت طالق وحاصل الكلام أنا إن قلنا إن اسم الكلام يتناول الكلمة الواحدة كان القول قول زفر وإن قلنا لا يتناول إلا الجملة فالقول قول أبي حنيفة ومما يقوي قول زفر أنه لو قال في المرة الثانية إن كلمتك وسكت عليه ولم يذكر بعده قوله فأنت طالق طلقت ولولا أن هذا القدر كلام وإلا لما طلقت ومما يقوي قول أبي حنيفة أنه لو قال كلما كلمتك فأنت طالق ثم ذكر هذه الكلمة في المرة الثانية فكلمة كلما توجب التكرار فلو كان التكلم بالكلمة الواحدة كلاما لوجب أن يقع عليه الطلقات الثلاث عند قوله في المرة الثانية كلما كلمتك وسكت عليه ولم يذكر بعده قوله فأنت طالق لأن هذا المجموع مشتمل على ذكر الكلمات الكثيرة وكل واحد منها يوجب وقوع الطلاق وأقول لعل زفر يلتزم ذلك


الصفحة التالية
Icon