المسألة الثلاثون
السبب في كون الفاعل مرفوعا والمفعول منصوبا والمضاف إليه مجرورا وجوه الأول أن الفاعل واحد والمفعول أشياء كثيرة لأن الفعل قد يتعدى إلى مفعول واحد وإلى مفعولين وإلى ثلاثة ثم يتعدى أيضا إلى المفعول له وإلى الظرفين وإلى المصدر والحال فلما كثرت المفاعيل اختير لها أخف الحركات وهو النصب ولما قل الفاعل اختير له أثقل الحركات وهو الرفع حتى تقع الزيادة في العدد مقابلة للزيادة في المقدار فيحصل الاعتدال الثاني أن مراتب الموجودات ثلاثة مؤثر لا يتأثر وهو الأقوى وهو درجة الفاعل ومتأثر لا يؤثر وهو الأضعف وهو درجة المفعول وثالث يؤثر باعتبار ويتأثر باعتبار وهو المتوسط وهو درجة المضاف إليه والحركات أيضا ثلاثة أقواها الضمة وأضعفها الفتحة وأوسطها الكسرة فألحقوا كل نوع بشبيهه فجعلوا الرفع الذي هو أقوى الحركات للفاعل الذي هو أقوى الأقسام والفتح الذي هو أضعف الحركات للمفعول الذي هو أضعف الأقسام والجر الذي هو المتوسط للمضاف إليه الذي هو المتوسط من الأقسام الثالث الفاعل مقدم على المفعول لأن الفعل لا يستغني عن الفاعل وقد يستغني عن المفعول فالتلفظ بالفاعل يوجد والنفس قوية فلا جرم أعطوه أثقل الحركات عند قوة النفس وجعلوا أخف الحركات لما يتلفظ به بعد ذلك
المسألة الحادية والثلاثون
المرفوعات سبعة الفاعل والمبتدأ وخبره واسم كان واسم ما ولا المشبهتين بليس وخبر إن وخبر لا النافية للجنس ثم قال الخليل الأصل في الرفع الفاعل والبواقي مشبهة به وقال سيبويه الأصل هو المبتدأ والبواقي مشبهة به وقال الأخفش كل واحد منهما أصل بنفسه واحتج الخليل بان جعل الرفع إعرابا للفاعل أولى من جعله أعرابا للمبتدأ والأولوية تقتضي الأولية بيان الأول أنك إذا قلت ضرب زيد بكر بإسكان المهملتين لم يعرف أن الضارب من هو والمضروب من هو أما إذا قلت زيد قائم بإسكانهما عرفت من نفس اللفظتين أن المبتدأ أيهما والخبر أيهما فثبت أن افتقار الفاعل إلى الإعراب أشد فوجب أن يكون الأصل هو وبيان الثاني أن الرفعية حالة مشتركة بين المبتدأ والخبر فلا يكون فيها دلالة على خصوص كونه مبتدأ ولا على خصوص كونه خبرا أما لا شك أنه في الفاعل يدل على خصوص كونه فاعلا فثبت أن الرفع حق الفاعل إلا أن المبتدأ لما أشبه الفاعل في كونه مسندا إليه جعل مرفوعا رعاية لحق هذه المشابهة وحجة سيبويه أنا بينا أن الجملة الاسمية مقدمة على الجمل الفعلية فإعراب الجملة الاسمية يجب أن يكون مقدما على إعراب الجملة الفعلية والجواب أن الفعل أصل في الإسناد إلى الغير فكانت الجملة الفعلية مقدمة وحينئذ يصير هذا الكلام دليلا للخليل
المسألة الثانية والثلاثون
المفاعيل خمسة لأن الفاعل لا بد له من فعل وهو المصدر ولا بد لذلك الفعل من زمان ولذلك الفاعل من عرض ثم قد يقع ذلك الفعل في شيء آخر وهو المفعول به وفي مكان ومع شيء آخر فهذا ضبط القول في هذه المفاعيل وفيه مباحث عقلية أحدها أن المصدر قد يكون هو نفس المفعول به كقولنا خلق الله العالم فإن خلق العالم لو كان مغايرا للعالم لكان ذلك المغاير له إن كان قديما لزم من قدمه قدم العالم وذلك ينافي كونه مخلوقا وإن كان حادثا افتقر خلقه إلى


الصفحة التالية
Icon