أحدها الأشياء التي أدركناها بإحدى هذه الحواس الخمس وثانيها الأحوال التي ندركها من أحوال أبداننا كالألم واللذة والجوع والعطش والفرح والغم وثالثها الأحوال التي ندركها بحسب عقولنا مثل علمنا بحقيقة الوجود والعدم والوحدة والكثرة والوجوب والإمكان ورابعها الأحوال التي يدركها العقل والخيال من تلك الثلاثة فهذه الأشياء هي التي يمكننا أن نتصورها وأن ندركها من حيث هي هي فإذا ثبت هذا وثبت أن حقيقة الحق سبحانه وتعالى مغايرة لهذه الأقسام ثبت أن حقيقته غير معقولة للخلق الثالث أن حقيقته المخصوصة علة لجميع لوازمه من الصفات الحقيقية والإضافية والسلبية والعلم بالعلة علة للعلم بالمعلول ولو كانت حقيقته المخصوصة معلومة لكانت صفاته بأسرها معلومة بالضرورة وهذا معدوم فذاك معدوم فثبت أن حقيقة الحق غير معقولة للبشر المقدمة الرابعة في بيان أنها وإن لم تكن معقولة للبشر فهل يمكن أن تصير معقولة لهم المقدمة الخامسة في بيان أن البشر وإن امتنع في عقولهم إدراك تلك الحقيقة المخصوصة فهل يمكن ذلك العرفان في حق جنس الملائكة أو في حق فرد من أفرادهم الإنصاف أن هذه المباحث صعبة والعقل كالعاجز القاصر في الوفاء بها كما ينبغي وقال بعضهم عقول المخلوقات ومعارفهم متناهية والحق تعالى غير متناه والمتناهي يمتنع وصوله إلى غير المتناهي ولأن أعظم الأشياء هو الله تعالى وأعظم العلوم علم الله سبحانه وتعالى وأعظم الأشياء لا يمكن معرفته إلا بأعظم العلوم فعلى هذا لا يعرف الله إلا الله المقدمة السادسة اعلم أن معرفة الأشياء على نوعين معرفة عرضية ومعرفة ذاتية أما المعرفة العرضية فكما إذا رأينا بناءا علمنا بأنه لا بد له من بان فأما أن ذلك الباني كيف كان في ماهيته وأن حقيقته من أي أنواع الماهيات فوجود البناء لا يدل عليه وأما المعرفة الذاتية فكما إذا عرفنا اللون المعين ببصرنا وعرفنا الحرارة بلمسنا وعرفنا الصوت بسمعنا فإنه لا حقيقة للحرارة والبرودة إلا هذه الكيفية الملموسة ولا حقيقة للسواد والبياض إلا هذه الكيفية المرئية إذا عرفت هذا فنقول أنا إذا علمنا احتياج المحدثات إلى محدث وخالق فقد عرفنا الله تعالى معرفة عرضية إنما الذي نفيناه الآن هو المعرفة الذاتية فلتكن هذه الدقيقة معلومة حتى لا تقع في الغلط المقدمة السابعة اعلم أن إدراك الشيء من حيث هو هو - أعني ذلك النوع الذي سميناه بالمعرفة الذاتية - يقع في الشاهد على نوعين أحدهما العلم والثاني الإبصار فإنا إذا أبصرنا السواد ثم غمضنا العين فإنا نجد تفرقة بديهية بين الحالتين فعلمنا أن العلم غير وأن الإبصار غير إذا عرفت هذا فنقول بتقدير أنه يقال يمكن حصول المعرفة الذاتية للخلق فهل لتلك المعرفة ولذلك الإدراك طريق واحد فقط أو يمكن وقوعه على طريقين مثل ما في الشاهد من العلم والإبصار هذا أيضا مما لا سبيل للعقل إلى القضاء به والجزم فيه وبتقدير أن يكون هناك طريقان أحدهما المعرفة والثاني الإبصار فهل الأمر هناك مقصور على هذين الطريقين أو هناك طرق كثيرة ومراتب مختلفة كل هذه المباحث مما لا يقدر العقل على الجزم فيها البتة فهذا هو الكلام في هذه المقدمات
المسألة العاشرة
في أنه هل لله تعالى بحسب ذاته المخصوصة اسم أم لا نقل عن قدماء الفلاسفة


الصفحة التالية
Icon