الأفعال أولى من بعض فيحتمل أن يكون المراد إحلال الانتفاع بجلدها أو عظمها أو صوفها أو لحمها أو المراد إحلال الانتفاع بالأكل ولا شك أن اللفظ محتمل للكل فصارت الآية مجملة إلاّ أن قوله تعالى وَالاْنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْء وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ( النحل ٥ ) دل على أن المراد بقوله أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة ُ الاْنْعَامِ إباحة الانتفاع بها من كل هذه الوجوه
واعلم أنه تعالى لما ذكر قوله أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة ُ الاْنْعَامِ ألحق به نوعين من الاستثناء الأول قوله إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ واعلم أن ظاهر هذا الاستثناء مجمل واستثناء الكلام المجمل من الكلام المفصل يجعل ما بقي بعد الاستثناء مجملاً أيضاً إلاّ أن المفسرين أجمعوا على أن المراد من هذا الاستثناء هو المذكور بعد هده الآية وهو قوله حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَة ُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَة ُ وَالْمَوْقُوذَة ُ وَالْمُتَرَدّيَة ُ وَالنَّطِيحَة ُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ( المائدة ٣ ) ووجه هذا أن قوله أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة ُ الاْنْعَامِ يقتضي إحلالها لهم على جميع الوجوه فبيّن الله تعالى أنها إن كانت ميتة أو موقوذة أو متردية أو نطيحة أو افترسها السبع أو ذبحت على غير اسم الله تعالى فهي محرمة
النوع الثاني من الاستثناء قوله تعالى غَيْرَ مُحِلّى الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وفيه مسائل
المسألة الأولى أنه تعالى لما أحل بهيمة الأنعام ذكر الفرق بين صيدها وغير صيدها فعرفنا أن ما كان منها صيداً فإنه حلال في الإحلال فون الإحرام وما لم يكن صيداً فإنه حلال في الحالين جميعاً والله أعلم
المسألة الثانية قوله وَأَنتُمْ حُرُمٌ أي محرمون أي داخلون في الإحرام بالحج والعمرة أو أحدهما يقال أحرم بالحج والعمرة فهو محرم وحرم كما يقال أجنب فهو مجنب وجنب ويستوي فيه الواحد والجمع يقال قوم حرم كما يقال قوم جنب قال تعالى وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ ( المائدة ٦٥ )
وأعلم أنا إذا قلنا أحرم الرجل فله معنيان الأول هذا والثاني أنه دخل الحرم فقوله وَأَنتُمْ حُرُمٌ يشتمل على الوجهين فيحرم الصيد على من كان في الحرم كما يحرم على من كان محرماً بالحج أو العمرة وهو قول الفقهاء
المسألة الثالثة أعلم أن ظاهر لآية يقتضي أن لصيد حرام على المحرم ونظير هذه الآية قوله تعالى وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ فإن إِذَا للشرط والمعلق بكلمة الشرط على الشيء عدم عند عدم ذلك الشيء إلا أنه تعالى بيّن في آية أخرى أن المحرم على المحرم إنما هو صيد البر لا صيد البحر قال تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَة ِ وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً ( المائدة ٩٦ ) فصارت هذه الآية بياناً لتلك الآيات المطلقة
المسألة الرابعة انتصب غَيْرِ على الحال من قوله أُحِلَّتْ لَكُمْ كما تقول أحل لكم الطعام غير معتدين فيه قال الفرّاء هو مثل قولك أحل لك الشيء لا مفرطاً فيه ولا متعدياً والمعنى أحلت لكم بهيمة