الأنعام إلا أن تحلوا الصيد في حال الإحرام فإنه لا يحل لكم ذلك إذ كنتم محرمين
ثم قال تعالى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ والمعنى أنه تعالى أباح الأنعام في جميع الأحوال وأباح الصيد في بعض الأحوال دون بعض فلو قال قائل ما السبب في هذا التفصيل والتخصيص كان جوابه أي يقال أنه تعالى مالك الأشياء وخالقها فلم يكن على حكمه اعتراض بوجه من الوجوه وهذا هو الذي يقوله أصحابنا أن علة حسن التكليف هي الربوبية والعبودية لا ما يقوله المعتزلة من رعاية المصالح
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْى َ وَلاَ الْقَلَائِدَ وَلا ءَامِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ آلْعِقَابِ
قوله تعالى حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْى َ وَلاَ
أعلم أنه تعالى لما حرم الصيد على المحرم في الآية الأولى أكد ذلك بالنهي في هذه الآية عن مخالفة تكاليف الله تعالى فقال يُرِيدُ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ اللَّهِ
وأعلم أن الشعائر جمع والأكثرون على أنها جمع شعيرة وقال ابن فارس واحدها شعارة والشعيرة فعيلة بمعنى مفعلة والمشعرة المعلمة والأشعار الأعلام وكل شيء أشعر فقد أعلم وكل شيء جعل علماً على شيء أن علم بعلامة جاز أن يسمى شعيرة فالهدي الذي يهدى إلى مكة يسمى شعائر لأنهت معلمة بعلامات دالة على كونها هدايا واختلف المفسرون في المراد بشعائر الله وفيه قولان الأول قوله لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ اللَّهِ أي لا تخلوا بشيء من شعائر الله وفرائضه التي حدها لعباده وأوجبها عليهم وعلى هذا القول فشعائر الله عام في جميع تكاليفه غير مخصوص بشيء معين ويقرب منه قول الحسن شعائر الله دين الله والثاني أن المراد منه شيء خاص من التكاليف وعلى هذا القول فذكروا وجوهاً الأول المراد لا تحلوا ما حرّم الله عليكم في حال إحرامكم من الصيد والثاني قال ابن عباس إن المشركين كانوا يحجون البيت ويهدون الهدايا ويعظمون المشاعر وينحرون فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فأنزل الله تعالى لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ اللَّهِ الثالث قال الفراء كانت عامة العرب لا يرون الصفا والمروة من شعائر الحج ولا يطوفون بهما فأنزل الله تعالى لا تستحلوا ترك شيء من مناسك الحج وائتوا بجميعها على سبيل الكمال والتما الرابع قال بعضهم الشعائر هي الهدايا تطعن في أسنامها وتقلد ليعلم أنها هدى وهو قول أبي عبيدة قال ويدل عليه قوله تعالى وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مّن شَعَائِرِ اللَّهِ ( الحج ٣٦ ) وهذا عندي ضعيف لأنه تعالى ذكر شعائر الله ثم عطف عليها الهدى والعطوف يجب أن يكون مغايراً للمعطوف عليه
ثم قال تعالى وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ أي لا تحلو الشهر الحرام بالقتال فيه
وأعلم أن الشهر الحرام هو الشهر الذي كانت العرب تعظمه وتحرم القتال فيه قال تعالى إِنَّ عِدَّة َ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَة ٌ حُرُمٌ ( التوبة ٣٦ ) فقيل هي ذو العقدة وذو الحجة والمحرم ورجب فقوله وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ يجوز أن يكون إشارة إلى


الصفحة التالية
Icon