قضاء القاضي فيه وأنتم لا تقولون بذلك وءن كان الحق هو القسم الثاني كان ذلك تمكيناً لكل أحد أن يحكم بما غلب على ظنه من غير أن يعلم أنه هل هو دين الله أم لا وهل هو الحكم الذي حكم به الله أم لا ومعلوم أن مثل هذا لا يكون إكمالاً للدين بل يكون ذلك إلقاء للخلق في ورطة الظنون والجهالات قال مثبتو القياس إذا كان تكليف كل مجتهد أن يعمل بمقتضى ظنه كان ذلك إكمالاً للدين ويكون كل مكلف قاطعاً بأنه عامل بحكم الله فزال السؤال
المسألة الثالثة قال أصحابنا هذه الآية دالة على بطلان قول الرافضة وذلك لأنه تعالى بيّن أن الذين كفروا يئسوا من تبديل الدين وأكد ذلك بقوله فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ فلو كانت إماة علي بن أبي طالب رضي الله عنه منصوصاً عليها من قبل الله تعالى وقبل رسوله ( ﷺ ) نصاً واجب الطاعة لكان من أراد إخفاءه وتغييره آيساً من ذلك بمقتضى هذه الآية فكان يلزم أن لا يقدر أحد من الصحابة على إنكار ذلك النص وعلى تغييره وإخفائه ولما لم يكن الأمر كذلك بل لم يجر لهذا النص ذكر ولا ظهر منه خبر ولا أثر علمنا أن ادعاء هذا النص كذب وأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما كان منصوصاً عليه بالإمامة
المسألة الرابعة قال أصحاب الآثار إنه لما نزلت هذه الآية على النبي ( ﷺ ) لم يعمر بعد نزولها إلا أحداً وثمانين يوماً أو اثنين وثمانين يوماً ولم يحصل في الشريعة بعدها زيادة ولا نسخ ولا تبديل البتة وكان ذلك جارياً مجرى أخبار النبي ( ﷺ ) عن قرب وفاته وذلك إخبار عن الغيب فيكون معجزاً ومما يؤكد ذلك ما روي أنه ( ﷺ ) لما قرأ هذه الآية على الصحابة فرحوا جداً وأظهروا السرور العظيم إلا أبا بكر رضي الله عنه فإنه بكى فسئل عنه فقال هذه الآية على عدل على قرب وفاة رسول الله ( ﷺ ) فإنه ليس بعد الكمال إلا الزوال فكان ذلك دليلاً على كمال علم الصديق حيث وفق من هذه الآية على سر لم يقف عليه غيره
المسألة الخامسة قال أصحابنا دلت الآية على أن الدين لا يحصل إلا بخلق الله تعالى وإيجاده والدليل عليه أنه أضاف إكمال الدين إلى نفسه فقال الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ولن يكون إكمال الدين منه إلا وأصله أيضاً منه
واعلم أنا سواء قلنا الدين عبارة عن العمل أو قلنا إنه عبارة عن المعرفة أو قلنا إنه عبارة عن مجموع الاعتقاد والاقرار والفعل فالاستدلال ظاهر
وأما المعتزلة فإنهم يحملون ذلك على إكمال بيان الدين وإظهار شرائعه ولا شك أن الذي ذكروه عدول عن الحقيقة إلى المجاز
ثم قال تعالى وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى ومعنى أتممت عليكم نعمتي بإكمال أمر الدين والشريعة كأنه قال اليوم أكملت لكم دينكم أتممت عليكم نعمتي بسبب ذلك الاكمال لأنه لا نعمة أتم من نعمة الإسلام
واعلم أن هذه الآية أيضاً دالة على أن خالق الإيمان هو الله تعالى وذلك لأنا نقول الدين الذي هو الإسلام نعمة وكل نعمة فمن الله فيلزم أن يكون دين الإسلام من الله
إنما قلنا إن الإسلام نعمة لوجهين الأول الكلمة المشهورة على لسان الأمة وهي قولهم الحمد لله على نعمة الإسلام