أن لا إله إلاّ الله فجعل كلمة التوحيد إيماناً فإن الإيمان بها لما كان واجباً كان الإيمان من لوازمها بحسب أمر الشرع وإطلاق اسم الشيء على لازمه مجاز مشهور والثالث قال قتادة إن ناساً من المسلمين قالوا كيف نتزوج نساءهم مع كونهم على غير دينناا فأنزل الله تعالى هذه الآية أي ومن يكفر بما نزل في القرآن فهو كذا وكذا فسمى القرآن إيماناً لأنه هو المشتمل على بيان كل ما لا بدّ منه في الإيمان
المسألة الثالثة القائلون بالاحباط قالوا المراد بقوله وَمَن يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ أي عقاب كفره يزيل ما كان حاصلاً له من ثواب إيمانه والذين ينكرون القول بالاحباط قالوا معناه أن عمله الذي أتى به بعد ذلك الإيمان فقد هلك وضاع فإنه إنما يأتي بتلك الأعمال بعد الإيمان لاعتقاده أنها خير من الإيمان فإذا لم يكن الأمر كذلك بل كان ضائعاً باطلاً كانت تلك الأعمال باطلة في أنفسها فهذا هو المراد من قوله فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ
المسألة الرابعة قوله تعالى وَهُوَ فِى الاْخِرَة ِ مِنَ الْخَاسِرِينَ مشروط بشرط غير مذكور في الآية وهو أن يموت على ذلك الكفر إذ لو تاب عن الكفر لم يكن في الآخرة من الخاسرين والدليل على أنه لا بدّ من هذا الشرط قوله تعالى وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ( البقرة ٢١٧ ) الآية
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلواة ِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَاكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
ثم قال تعالى الْخَاسِرِينَ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلواة ِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ
اعلم أنه تعالى افتتح السورة بقوله يا أيها الذين آمنوا أوفوا باللعقود ( المائدة ١ ) وذلك لأنه حصل بين الرب وبين العبد عهد الربوبية وعهد العبودية فقوله بِكُلّ شَى ْء عَلِيمٌ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ طلب تعالى من عباده أن يفوا بعهد العبودية فكأنه قيل إل هنا العهد نوعان عهد الربوبية منك وعهد العبودية منا فأنت أولى بأن تقدم الوفاء بعهد الربوبية والإحسان فقال تعالى نعم أنا أوفي أولاً بعهد الربوبية والكرم ومعلوم أن منافع الدنيا محصورة في نوعين لذات المطعم ولذات المنكح فاستقصى سبحانه في بيان ما يحل ويحرم من المطاعم والمناكح ولما كانت الحاجة إلى المطعوم فوق الحاجة إلى المنكوح لا جرم قدم بيان المطعوم على المنكوح وعند تمام هذا البيان كأنه يقول قد وفيت بعهد الربوبية فيما يطلب في الدنيا من المنافع واللذات فاشتغل أنت في الدنيا بالوفاء بعهد العبودية ولما كان أعظم الطاعات بعد الإيمان الصلاة وكانت الصلاة لا يمكن إقامتها إلاّ بالطهارة لا جرم بدأ تعالى بذكر شرائط الوضوء فقال الْخَاسِرِينَ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلواة ِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وفي الآية مسائل
المسألة الأولى أعلم أن المراد بقوله يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا ليس نفس القيام ويدل عليه وجهان الأول أنه لو كان المراد ذلك لزم تأخير الوضوء عن الصلاة وأنه باطل بالإجماع الثاني أنهم أجمعوا على أنه لو غسل الأعضاء قبل الصلاة قاعداً أو مضطجعاً لكان قد خرج عن العهدة بل المراد منه إذا شمرتم