أما قوله وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ففيه وجهان الأول أن الكلام متعلق بما ذكر من أول السورة إلى هنا وذلك لأنه تعالى أنعم في أول السورة بإباحة الطيبات من المطاعم والمناكح ثم إنه تعالى ذكر بعده كيفية فرض الوضوء فكأنه قال إنما ذكرت ذلك لتتم النعمة المذكورة أولاً وهي نعمة الدنيا والنعمة المذكورة ثانياً وهي نعمة الدين الثاني أن المراد وليتم نعمته عليكم أي بالترخص في التيمم والتخفيف في حال السفر والمرض فاستدلوا بذلك على أنه تعالى يخفف عنكم يوم القيامة بأن يعفو عن ذنوبكم ويتجاوز عن سيئاتكم
ثم قال تعالى لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ والكلام في ( لعل ) مذكور في أول سورة البقرة في قوله تعالى لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( البقرة ٢١ ) والله أعلم
وَاذْكُرُواْ نِعْمَة َ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِى وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
إعلم أٌّ ه تعالى لما ذكر هذا التكليف أردفه بما يوجب عليهم القبول والانقياد وذلك من وجهين الأول كثرة نعمة الله عليهم وهو المراد من قوله وَاذْكُرُواْ نِعْمَة َ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ومعلوم أن كثرة النعم توجب على المنعم عليه الاشتغال بخدمة المنعم والانقياد لأوامره ونواهيه وفيه مسألتان
المسألة الأولى إنما قال وَاذْكُرُواْ نِعْمَة َ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ولم يقل نعم الله عليكم لأنه ليس المقصود منه التأمل في إعداد نعم الله بل المقصود منه التأمل في جنس نعم الله لأن هذا الجنيس جنس لا يقدر غير الله عليه فمن الذي يقدر على إعطاء نعمة الحياة والصحة والعقل والهداية والصون عن الآفات والإيصال إلى جميع الخيرات في الدنيا والآخرة فجنس نعمة الله جنس لا يقدر عليه غير الله فقوله تعالى وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ المراد التأمل في هذا النوع من حيث أنه ممتاز عن نعمة غيره وذلك الامتياز هو أنه لا يقدر عليه غيره ومعلوم أن النعمة متى كانت على هذا الوجه كان وجوب الاشتغال بشكرها أتم وأكمل
المسألة الثانية قوله وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ مشعر بسبق النسيان فكيف يعقل نسيانها مع أنها متواترة متوالية علينا في جميع الساعات والأوقات إلاّ أن الجواب عنه أنها لكثرتها وتعاقبها صارت كالأمر المعتاد فصارت غلبة ظهورها وكثرتها سبباً لوقوعها في محل النيسان ولهذا المعنى قال المحققون إنه تعالى إنما كان باطناً لكونه ظاهراً وهو المراد من قولهم سبحان من احتجب عن العقول بشدة ظهوره واختفى عنها بكمال نوره
السبب الثاني من الأسباب التي توجب عليهم كونهم منقادين لتكاليف الله تعالى هو الميثاق الذي واثقهم به والمواثقة المعاهدة التي قد أحكمت بالعقد على نفسه وهذه الآية مشابهة لقوله في أول السورة عَلِيمٌ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ( المائدة ١ ) وللمفسرين في تفسير هذا الميثاق وحوه الأول أن المراد هو المواثيق التي