ثم قال تعالى بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء يعني أنه ليس لأحد عليه حق يوجب عليه أن يغفر له وليس لأحد عليه حق يمنعه من أن يعذبه بل الملك له يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد
واعلم أنا بينا أن مراد القوم من قولهم نَحْنُ أَبْنَاء اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ كمال رحمته عليهم وكمال عنايته بهم
وإذا عرفت هذا فمذهب المعتزلة أن كل من أطاع الله واحترز عن الكبائر فإنه يجب على الله عقلاً إيصال الرحمة والنعمة إليه أبد الآباد ولو قطع عنه بعد ألوف سنة في الآخرة تلك النعم لحظة واحدة لبطلت إل هيته ولخرج عن صفة الحكمة وهذا أعظم من قول اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه وكما أن قوله يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء إبطال لقول اليهود فبأن يكون إبطالاً لقول المعتزلة أولى وأكمل
ثم قال تعالى وَللَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بمعنى من كان ملكه هكذا وقدرته هكذا فكيف يستحق البشر الضعيف عليه حقاً واجباً وكيف يملك الإنسان الجاهل بعبادته الناقصة ومعرفته القليلة عليه ديناً إنها كبرت كلمة تخرج من أفواههم أن يقولون إلا كذباً
ثم قال تعالى وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ أي وإليه يؤول أمر الخلق في الآخرة لأنه لا يملك الضر والنفع هناك إلا هو كما قال وَالاْمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ( الانفطار ١٩ )
يَأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَة ٍ مَّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَى ْءٍ قَدِيرٌ
وفيه مسائل
المسألة الأولى في قوله يُبَيّنُ لَكُمْ وجهان الأول أن يقدر المبين وعلى هذا التقدير ففيه وجهان أحدهما أن يكون ذلك المبين هو الدين والشرائع وإنما حسن حذفه لأن كل أحد يعلم أن الرسول إنما أرسل لبيان الشرائع وثانيها أن يكون التقدير يبين لكم ما كنتم تخفون وإنما حسن حذفه لتقدم ذكره
الوجه الثاني أن لا يقدر المبين ويكون المعنى يبين لكم البيان وحذف المفعول أكمل لأن على هذا التقدير يصير أعم فائدة
المسألة الثانية قوله يُبَيّنُ لَكُمْ في محل النصب على الحال أي مبيناً لكم
المسألة الثالثة قوله عَلَى فَتْرَة ٍ مَّنَ الرُّسُلِ قال ابن عباس يريد على انقطاع من الأنبياء يقال فتر الشيء يفتر فتوراً إذا سكنت حدته وصار أقل مما كان عليه وسميت المدة التي بين الأنبياء فترة لفتور الدواعي في العمل بتلك الشرائع
واعلم أن قوله عَلَى فَتْرَة ٍ متعلق جَاءكُمْ أي جاءكم على حين فتور من إرسال الرسل قيل كان بين عيسى ومحمد عليهما السلام ستمائة سنة أو أقل ألأ أكثر وعن الكلبي كان بين موسى وعيسى


الصفحة التالية
Icon