كنتم في أيدي القبط بمنزلة أهل الجزية فينا ولا يغلبكم على أنفسكم غالب وثانيها أن كل من كان رسولاً ونبياً كان ملكاً لأنه يملك أمر أمته ويملك التصرف فيهم وكان نافذ الحكم عليهم فكان ملكاً ولهذا قال تعالى فَقَدْ ءاتَيْنَا ءالَ إِبْراهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة َ وَءاتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً ( النساء ٥٤ ) وثالثها أنه كان في أسلافهم وأخلافهم ملوك وعظماء وقد يقال فيمن حصل فيهم ملوك أنتم ملوك على سبيل الاستعارة ورابعها أن كل من كان مستقلاً بأمر نفسه ومعيشته ولم يكن محتاجاً في مصالحه إلى أحد فهو ملك قال الزجاج الملك من لا يدخل عليه أحد إلاّ بإذنه وقال الضحاك كانت منازلهم واسعة وفيها مياه جارية وكانت لهم أموال كثيرة وخدم يقومون بأمرهم ومن كان كذلك كان ملكاً
والنوع الثالث من النعم التي ذكرها الله تعالى في هذه الآية قوله وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَة َ وذلك لأنه تعالى خصهم بأنواع عظيمة من الاكرام أحدها أنه تعالى فلق البحر لهم وثانيها أنه أهلك عدوهم وأورثهم أموالهم وثالثها أنه أنزل عليهم المن والسلوى ورابعها أنه أخرج لهم المياه العذبة من الحجر وخامسها أنه تعالى أظلل فوقهم الغمام وسادسها أنه لم يجتمع لقوم الملك والنبوّة كما جمع لهم وسابعها أنهم في تلك الأيام كانوا هم العلماء بالله وهم أحباب الله وأنصار دينه
واعلم أن موسى عليه السلام لما ذكرهم هذه النعمة وشرحها لهم أمرهم بعد ذلك بمجاهدة العدو فقال
يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأرض المُقَدَّسَة َ الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ
فيه مسائل
المسألة الأولى روي أن إبراهيم عليه السلام لما صعد جبل لبنان قال له الله تعالى انظر فما أدركه بصرك فهو مقدس وهو ميراث لذريتك وقيل لما خرج قوم موسى عليه السلام من مصر وعدهم الله تعالى إسكان أرض الشام وكان بنو إسرائيل يسمون أرض الشام أرض المواعيد ثم بعث موسى عليه السلام اثنى عشر نقيباً من الأمناء ليتجسسوا لهم عن أحوال تلك الأراضي فلما دخلوا تلك البلاد رأوا أجساماً عظيمة هائلة قال المفسرون لما بعث موسى عليه السلام النقباء لأجل التجسس رآهم واحد من أولئك الجبارين فأخذهم وجعلهم في كمه مع فاكهة كان قد حملها من بستانه وأتى بهم الملك فنثرهم بين يديه وقال متعجباً للملك هؤلاء يريدون قتالنا فقال الملك ارجعوا إلى صاحبكم وأخبروه بما شاهدتم ثم انصرف أولئك النقباء إلى موسى عليه السلام فأخبروه بالواقعة فأمرهم أن يكتموا ما عاهدوه فلم يقبلوا قوله إلا رجلان منهم وهما يوشع بن نون وكالب بن يوفنا فإنهما سهلا الأمر وقالا هي بلاد طيبة كثيرة النعم والأقوام وإن كانت أجسادهم عظيمة إلا أن قلوبهم ضعيفة وأما العشرة الباقية فقد أوقعوا الجبن في قلوب الناس حتى أظهروا الامتناع من غزوهم فقالوا لموسى عليه السلام إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ( المائدة ٢٤ ) فدعا موسى عليه السلام عليهم فعاقبهم الله تعالى بأن أبقاهم في التيه أربعين سنة قالوا وكانت مدة غيبة النقباء للتجسس أربعين يوماً فعوقبوا بالتيه أربعين سنة ومات أولئك العصاة في التيه وأهلك النقباء العشرة في التيه بعقوبات غليظة ومن الناس من قال إن موسى وهارون عليهما السلام ماتا أيضاً في التيه ومنهم من قال إن موسى عليه السلام بقي وخرج معه يوشع وكالب وقاتلوا الجبارين وغلبوهم


الصفحة التالية
Icon