المسألة السادسة يقال تاه يتيه تيهاً وتيهاً وتوها والتيه أعمها والتيهاء الأرض التي لا يهتدى فيها قال الحسن كانوا يصبحون حيث أمسوا ويمسون حيث أصبحوا وكانت حركتهم في تلك المفازة على سبيل الاستدارة وهذا مشكل فإنهم إذا وضعوا أعينهم على مسير الشمس ولم ينعطفوا ولم يرجعوا فإنهم لا بدّ وأن يخرجوا عن المفازة بل الأولى حمل الكلام على تحريم التعبد على ما قررناه والله أعلم
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَى ْ ءْادَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الاٌّ خَرِ قَالَ لاّقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ
المسألة الأولى في تعلق هذه الآية بما قبلها وجوه الأول أنه تعالى قال فيما تقدم الْجَحِيمِ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَة َ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ( المائدة ١١ ) فذكر تعالى أن الأعداء يريدون إيقاع البلاء والمحنة بهم لكنه تعالى يحفظهم بفضله ويمنع أعداءهم من إيصال الشر إليهم ثم إنه تعالى لأجل التسلية وتخفيف هذه الأحوال على القلب ذكر قصصاً كثيرة في أن كل من خصه الله تعالى بالنعم العظيمة في الدين والدنيا فإن الناس ينازعونه حسداً وبغياً فذكر أولاً قصة النقباء الاثني عشر وأخذ الله تعالى الميثاق منهم ثم إن اليهود نقضوا ذلك الميثاق حتى وقعوا في اللعن والقساوة وذكر بعده شدة إصرار النصارى على كفرهم وقولهم بالتثليث بعد ظهور الدلائل القاطعة على فساد ما هم عليه وما ذاك إلا لحسدهم لمحمد ( ﷺ ) فيما آتاه الله من الدين الحق ثم ذكر بعده قصة موسى في محاربة الجبارين وإصرار قومه على التمرد والعصيان ثم ذكر بعده قصة موسى في محاربة الجبارين وإصرار قومه على التمرد والعصيان ثم ذكر بعده قصة ابنى آدم أن أحدهما قتل الآخر حسداً منه على أن الله تعالى قبل قربانه وكل هذه القصص دالة على أن كل ذي نعمة محسود فلما كانت نعم الله على محمد ( ﷺ ) أعظم النعم لا جرم لم يبعد اتفاق الأعداء على استخراج أنواع المكر والكيد في حقه فكان ذكر هذه القصص تسلية من الله تعالى لرسوله ( ﷺ ) لما هم قوم من اليهود أن يمكروا به وأن يوقعوا به آفة ومحنة والثاني أن هذا متعلق بقوله دَابَّة ٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ وَمَا أَصَابَكُمْ مّن مُّصِيبَة ٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ ( المائدة ١٥ ) وهذه القصة وكيفية إيجاب القصاص عليها من أسرار التوراة والثالث أن هذه القصة متعلقة بما قبلها وهي قصة محاربة الجبارين أي اذكر لليهود حديث ابني آدم ليعلموا أن سبيل أسلافهم في الندامة والحسرة الحاصلة بسبب إقدامهم على المعصية كان مثل سبيل ابني آدم في إقدام أحدهما على قتل الآخر والرابع قيل هذا متصل بقوله حكاية عن اليهود والنصارى نَحْنُ أَبْنَاء اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ( المائدة ١٨ ) أي لا ينفعهم كونهم من أولاد الأنبياء مع كفرهم كما لم ينتفع ولد آدم عند معصيته بكون أبيه نبياً معظماً عند الله تعالى الخامس لما كفر أهل الكتاب بمحمد ( ﷺ ) حسداً أخبرهم الله تعالى بخبر ابن آدم وأن الحسد أوقعه في سوء العاقبة والمقصود منه التحذير عن الحسد
المسألة الثانية قوله وَاتْلُ عَلَيْهِمْ فيه قولان أحدهما واتل على الناس والثاني واتل على أهل