الكتاب وفي قوله ابْنَى ْ ءادَمَ قولان الأول أنهما ابنا آدم من صلبه وهما هابيل وقابيل وفي سبب وقوع المنازعة بينهما قولان أحدهما أن هابيل كان صاحب غنم وقابيل كان صاحب زرع فقرب كل واحد منهما قرباناً فطلب هابيل أحسن شاة كانت في غنمه وجعلها قرباناً وطلب قابيل شر حنطة في زرعه فجعلها قرباناً ثم تقرب كل واحد بقربانه إلى الله فنزلت نار من السماء فاحتملت قربان هابيل ولم تحمل قربان قابيل فعلم قابيل أن الله تعالى قبل قربان أخيه ولم يقبل قربانه فحسده وقصد قتله وثانيهما ما روي أن آدم عليه السلام كان يولد له في كل بطن غلام وجارية وكان يزوج البنت من بطن الغلام من بطن آخر فولد له قابيل وتوأمته وبعدهما هابيل وتوأمته وكانت توأمة قابيل أحسن الناس وجهاً فأراد آدم أن يزوجها من هابيل فأبى قابيل ذلك وقال أن أحق بها وهو أحق بأخته وليس هذا من الله تعالى وإنما هو رأيك فقال آدم عليه السلام لهما قربا قرباناً فأيكما قبل قربانه زوجتها منه فقبل الله تعالى قربان هابيل بأن أنزل الله تعالى على قربانه ناراً فقتله قابيل حسداً له
والقول الثاني وهو قول الحسن والضحاك أن ابنى قوله تعالى في آخر القصة مِنْ أَجْلِ ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْراءيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الاْرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ( المائدة ٣٢ ) إذ من الظاهر أن صدور هذا الذنب من أحد ابنى آدم لا يصلح أن يكون سبباً لإيجاب القصاص على بني إسرائيل أما لما أقدم رجل من بني إسرائيل على مثل هذه المعصية أمكن جعل ذلك سبباً لإيجاب القصاص عليهم زجراً لهم عن المعاودة إلى مثل هذا الذنب ومما يدل على ذلك أيضاً أن المقصود من هذه القصة بيان إصرار اليهود أبداً من قديم الدهر على التمرد والحسد حتى بلغ بهم شدة الحسد إلى أن أحدهما لما قبل الله قربانه حسده الآخر وأقدم على قتله ولا شك أنها رتبة عظيمة في الحسد فإنه لما شاهد أن قربان مقبول عند الله تعالى فذلك مما يدعوه إلى حسن الاعتقاد فيه والمبالغة في تعظيمه فلما أقدم على قتله وقتله مع هذه الحالة دل ذلك على أنه كان قد بلغ في الحسد إلى أقصى الغايات وإذا كان المراد من ذكر هذه القصة بيان أن الحسد دأب قديم في بني إسرائيل وجب أن يقال هذان الرجلان كانا من بني إسرائيل
واعلم أن القول الأول هو الذي اختاره أكثر أصحاب الأخبار وفي الآية أيضاً ما يدل عليه لأن الآية تدل على أن القاتل جهل ما يصنع بالمقتول حتى تعلم ذلك من عمل الغراب ولو كان من بني إسرائيل لما خفي عليه هذا الأمر وهو الحق والله أعلم
المسألة الثالثة قوله بِالْحَقّ فيه وجوه الأول بالحق أي تلاوة متلبسة بالحق والصحة من عند الله تعالى والثاني أي تلاوة متلبسة بالصدق والحق موافقة لما في التوراة والإنجيل الثالث بالحق أي بالغرض الصحيح وهو تقبيح الحسد لأن المشركين وأهل الكتاب كانوا يحسدون رسول الله ( ﷺ ) ويبعون عليه الرابع بالحق أي ليعتبروا به لا ليحملوه على اللعب والباطل مثل كثير من الأقاصيص التي لا فائدة فيها وإنما هي لهو الحديث وهذا يدل على أن المقصود بالذكر من الأقاصيص والقصص في القرآن العبرة لا مجرد الحكاية ونظيره قوله تعالى لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَة ٌ لاّوْلِى الالْبَابِ ( يوسف ١١١ )
ثم قال تعالى إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً وفيه مسائل


الصفحة التالية
Icon