وهو أنه ( ﷺ ) قال ( الندم توبة ) فلما كان من النادمين كان من التائبين فلم لم تقبل توبته
أجابوا عنه من وجوه أحدها أنه لما لم يعلم الدفن إلا من الغراب صار من النادمين على حمله على ظهره سنة والثاني أنه صار من النادمين على قتل أخيه لأنه لم ينتفع بقتله وسخط عليه بسببه أبوه وإخوته فكان ندمه لأجل هذه الأسباب لا لكونه معصية والثالث أن ندمه كان لأجل أنه تركه بالعراء استخفافاً به بعد قتله فلما رأى أن الغراب لما قتل الغراب دفنه ندم على قساوة قلبه وقال هذا أخي وشقيقي ولحمه مختلط بلحمي ودمه مختلط بدمي فإذا ظهرت الشفقة من الغراب على الغراب ولم تظهر مني على أخي كنت دون الغراب في الرحمة والأخلاق الحميدة فكان ندمه لهذه الأسباب لا لأجد الخوف من الله تعالى فلا جرم لم ينفعه ذلك الندم ثم قال تعالى
مِنْ أَجْلِ ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأرض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالّبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذالِكَ فِى الأرض لَمُسْرِفُونَ
وفيه مسائل
المسألة الأولى قوله فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ مِنْ أَجْلِ ذالِكَ أي بسبب فعلته
فإن قيل عليه سؤالان الأول ى ن قوله مِنْ أَجْلِ ذالِكَ أي من أجل ما مرّ من قصة قابيل وهابيل كتبنا على بني إسرائيل القصاص وذاك مشكل فإنه لا مناسبة بين واقعة قابيل وهابيل وبين وجوب القصاص على بني إسرائيل الثاني أن وجوب القصاص حكم ثابت في جميع الأمم فما فائدة تخصيصه ببني إسرائيل
والجواب عن الأول من وجهين أحدهما قال الحسن هذا القتل إنما وقع في بني إسرائيل لا بين ولدي آدم من صلبه وقد ذكرنا هذه المسألة فيما تقدم والثاني أنا نسلم أن هذا القتل وقع بين ولدي آدم من صلبه ولكن قوله مِنْ أَجْلِ ذالِكَ ليس إشارة إلى قصة قابيل وهابيل بل هو إشارة إلى ما مر ذكره في هذه القصة من أنواع المفاسد الحاصلة بسبب القتل الحرام منها قوله فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ( المائدة ٣٠ ) ومنها قوله فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ( المائدة ٣١ ) فقوله فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ إشارة إلى أنه حصلت له خسارة الدين والدنيا وقوله فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ إشارة إلى أنه حصل من قلبه أنواع الندم والحسرة والحزن مع أنه لا دفع له ألبتة فقوله مِنْ أَجِدُ ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْراءيلَ أي من أجد ذلك الذي ذكرنا في أثناء القصة من أنواع المفاسد المتولدة من القتل العمد العدوان شرعنا القصاص من حق القاتل وهذا جواب حسن والله أعلم
وأما السؤال الثاني والجواب عنه أن وجوب القصاص في حق القاتل وإن كان عاماً في جميع لأديان والملل إلا أن التشديد المذكور ههنا في حق بني إسرائيل غير ثابت في جميع الأديان لأنه تعالى حكم ههنا


الصفحة التالية
Icon