بالمقصود أما التحميدات المذكورة في أوائل هذه السور فكان كل واحد منها قسم من أقسام ذلك التحميد ونوع من أنواعه
فإن قيل ما الفرق بين الخالق وبين الفاطر والرب وأيضاً لم قال ههنا خُلِقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ بصيغة فعل الماضي وقال في سورة فاطر الْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ بصيغة اسم الفاعل
فنقول في الجواب عن الأول الخلق عبارة عن التقدير وهو في حق الحق سبحانه عبارة عن علمه النافذ في جميع الكليات والجزئيات الواصل إلى جميع ذوات الكائنات والممكنات وأما كونه فاطراً فهو عبارة عن الإيجاد والابداع فكونه تعالى خالقاً إشارة إلى صفة العلم وكونه فاطراً إشارة إلى صفة القدرة وكونه تعالى رباً ومربياً مشتمل على الأمرين فكان ذلك أكمل
والجواب عن الثاني أن الخلق عبارة عن التقدير وهو في حق الله تعالى عبارة عن علمه بالمعلومات والعمل بالشيء سصح تقدمه على وجود المعلوم ألا ترى أنه يمكننا أن نعلم الشيء قبل دهوله في الوجود أما إيجاد الشيء فإنه لا يحصل إلا حال وجود الأثر بناء على مذهبنا أن القدرة إنما تؤثر في وجود المقدور حال وجود المقدور فلهذا السبب قال خُلِقَ السَّمَاوَاتِ والمراد أنه كان عالماً بها قبل وجودها وقال فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ والمراد أنه تعالى إنما يكون فاطراً لها وموجداً لها عند وجودها
المسألة الخامسة في قوله الْحَمْدُ للَّهِ قولان الأول المراد منه احمدوا الله تعالى وإنما جاء على صيغة الخبر لفوائد إحداها أن قوله الْحَمْدُ للَّهِ يفيد تعليم اللفظ والمعنى ولو قال احمدوا لم يحصل مجموع هاتين الفائدتين وثانيها أنه يفيد أنه تعالى مستحق الحمد سواء حمده حامد أو لم يحمده وثالثها أن المقصود منه ذكر الحجة فذكره بصيغة الخبر أولى
والقول الثاني وهو قول أكثر المفسرين معناه قولوا الحمد لله قالوا والدليل على أن المراد منه تعليم العباد أنه تعالى قال في أثناء السورة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وهذا الكلام لا يليق ذكره إلا بالعباد والمقصود أنه سبحانه لما أمر بالحمد وقد تقرر في العقول أن الحمد لا يحسن إلا على الإنعام فحينئذ يصير هذا الأمر حاملاً للمكلف على أن يتفكر في أقسام نعم الله تعالى عليه ثم إن تلك النعم يستدل بذكرها على مقصودين شريفين أحدهما أن هذه النعم قد حدثت بعد أن كانت معدومة فلا بدّ لها من محدث ومحصل وليس ذلك هو العبد لأن كل أحد يريد تحصيل جميع أنواع النعم لنفسه فلو كان حصول النعم للعبد بواسطة قدرة العبد واختياره لوجب أن يكون كل واحد واصلأْ إلى جميع أقسام النعم إذ لا أحد إلا وهو يريد تحصيل كل النعم لنفسه ولما ثبت أنه لا بدّ لحدوث هذه النعم من محدث وثبت أن ذلك المحدث ليس هو العبد فوجب الاقرار بمحدث قاهر قادر وهو الله سبحانه وتعالى
والنوع الثاني من مقاصد هذه الكلمة أن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها فإذا أمر الله تعالى العبد بالتحميد وكان الأمر بالتحميد مما يحمله على تذكر أنواع نعم الله تعالى صار ذلك التكليف حاملاً للعبد على تذكر أنواع نعم الله عليه ولما كانت تلك النعم كثيرة خارجة عن الحد والاحصاء صار تذكر تلك النعم موجبة رسوخ حب الله تعالى في قلب العبد فثبت أن تذكيرالنعم يفيد