قلنا لأنه تخصص بالصفة فقارب المعرفة كقوله وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مّن مُّشْرِكٍ ( البقرة ٢٢١ )
وأما قوله ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ فنقول المرية والامتراء هو الشك
وأعلم أنا إن قلنا المقصود من ذكر هذا الكلام الاستدلال على وجود الصانع كان معناه أن بعد ظهور مثل هذه الحجة الباهرة أنتم تمترون في صحة التوحيد وإن كان المقصود تصحيح القول بالمعاد فكذلك والله أعلم
وَهُوَ اللَّهُ فِى السَّمَاوَاتِ وَفِى الأرض يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ
واعلم أنا إن قلنا إن المقصود من الآية المتقدمة إقامة الدليل على وجود الصانع القادر المختار
قلنا المقصود من هذه الآية بيان كونه تعالى عالماً بجميع المعلومات فإن الآيتين المتقدمتين يدلان على كمال القدرة وهذه الآية تدل على كمال العلم وحينئذٍ يكمل العلم بالصفات المعتبرة في حصول الإلهية وإن قلنا المقصود من الآية المتقدمة إقامة الدلالة على صحة المعاد فالمقصود من هذه الآية تكميل ذلك البيان وذلك لأن منكري المعاد إنما أنكروه لأمرين أحدهما أنهم يعتقدون أن المؤثر في حدوث بدن الإنسان هو امتزاج الطبائع وينكرون أن يكون المؤثر فيه قادراً مختاراً والثاني أنهم يسلمون ذلك إلا أنهم يقولون إنه غير عالم بالجزئيات فلا يمكنه تمييز المطيع من العاصي ولا تمييز أجزاء بدن زيد عن أجزاء بدن عمرون ثم إنه تعالى أثبت بالآيتين المتقدمتين كونه تعالى قادراً ومختاراً لا علة موجبة وأثبا بهذه الآية كونه تعالى عالماً بجميع المعلومات وحينئذٍ تبطل جميع الشبهات التي عليها مدار القول بإنكار المعاد وصحة الحشر والنشر فهذا هو الكلام في نظم الآية وههنا مسائل
المسألة الأولى القائلون بأن الله تعالى مختص بالمكان تمسكوا بهذه الآية وهو قوله وَهُوَ اللَّهُ فِى السَّمَاوَاتِ وذلك يدل على أن الإله مستقر في السماء قالوا ويتأكد هذا أيضاً بقوله تعالى مَّن فِى السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ( الملك ١٦ ) قالوا ولا يلزمنا أن يقال فيلزم أن يكون في الأرض لقوله تعالى في هذه الآية وَهُوَ اللَّهُ فِى السَّمَاوَاتِ وَفِى الاْرْضِ وذلك يقتضي حصوله تعالى في المكانين معاً وهو محال لأنا نقول أجمعنا على أنه ليس بموجود في الأرض ولا يلزم من ترك العمل بأحد الظاهرين ترك العمل بالظاهر الآخر من غير دليل فوجب أن يبقى ظاهر قوله وَهُوَ اللَّهُ فِى السَّمَاوَاتِ على ذلك الظاهر ولأن من القراء من وقف عند قوله وَهُوَ اللَّهُ فِى السَّمَاوَاتِ ثم يبتدىء فيقول وَفِى الاْرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ والمعنى أنه سبحانه يعلم سرائركم الموجودة في الأرض فيكون قوله فِى الاْرْضِ صلة لقوله سِرَّكُمْ هذا تمام الكلام
وأعلم أنا نقيم الدلالة أولاً على أنه لا يمكن حمل هذا الكلام على ظاهره وذلك من وجوه الأول أنه تعالى قال في هذه السورة قُل لّمَن مَّا فِى السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ قُل لِلَّهِ ( الأنعام ١٢ ) فبيّن بهذه الآية أن كل


الصفحة التالية
Icon