ما في السموات والأرض فهو ملك لله تعالى ومملوك له فلو كان الله أحد الأشيء الموجودة في السموات لزم كونه ملكاً لنفسه وذلك محال ونظير هذه الآية قوله في سورة طه لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاْرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ( طه ٦ ) فإن قالوا قوله قُل لّمَن مَّا فِى السَّمَاء والاْرْضِ هذا يقتضي أن كل ما في السموات فهو لله إلا أن كلمة ما مختصة بمن لا يعقل فلا يدخل فيها ذات الله تعالى
قلنا لا نسلم والدليل عليه قوله وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا وَالاْرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ( الشمس ٥ ٧ ) ونظيره وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ( الكافرون ٣ ) ولا شك أن المراد بكلمة ما ههنا هو الله سبحانه والثاني أن قوله وَهُوَ اللَّهُ فِى السَّمَاوَاتِ إما أن يكون المراد منه أنه موجود في جميع السموات أو المراد أنه موجود في سماء واحدة والثاني ترك للظاهر والأول على قسمين لأنه ءما أن يكون الحاصل منه تعالى في أحد السموات عين ما حصل منه في سائر السموات أو غيره والأول يقتضي حصول المتحيز الواحد في مكانين وهو باطل ببديهة العقل والثاني يقتضي كونه تعالى مركباً من الأجزاء والأبعاض وهو محال والثالث أنه لو كان موجوداً في المسوات لكان محدوداً متنايهاً وكل ما كان كذلك كان قبوله للزيادة والنقصان ممكناً وكل ما كان كذلك كان اختصاصه بالمقدار المعين لتخصيص مخصص وتقدير مقدر وكل ما كان كذلز فهو محدث والرابع أنه لو كان في السموات فهل يقدر على خلق عالم آخر فوق السموات أو لا يقدر والثاني يوجب تعجيزه والأول يقتضي أنه تعالى لو فعل ذلك لحصل تحت هذا العالم والقوم ينكرون كونه تحت العالم والخامس أنه تعالى قال وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنتُمْ ( الحديد ٤ ) وقال وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ( ق ١٦ ) وقال وَهُوَ الَّذِى فِى السَّماء إِلَاهٌ وَفِى الاْرْضِ إِلَاهٌ ( الزخرف ٨٤ ) وقال فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ( البقرة ١١٥ ) وكل ذلك يبطل القول بالمكان والجهة ( ﷺ ) تعالى فثبت بهذه الدلائل أنه لا يمكن حمل هذا الكلام على ظاهره فوجب التأويل وهو من وجوه الأول أن قوله وَهُوَ اللَّهُ فِى السَّمَاوَاتِ وَفِى الاْرْضِ يعني وهو الله في تدبير السموات والارض كما يقال فلان في أمر كذا أي في تدبيره وإصلاح مهماته ونظيره قوله تعالى وَهُوَ الَّذِى فِى السَّماء إِلَاهٌ وَفِى الاْرْضِ إِلَاهٌ والثاني أن قوله وَهُوَ اللَّهُ كلام تام ثم ابتدأ وقال فِي السَّمَاوَاتِ وَفِى الاْرْضِ يَعْمَلُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ والمعنى إله سبحانه وتعالى يعلم في السموات سرائر الملائكة وفي الأرض يعلم سرائر الإنس والجن والثالث أن يكون الكلام على التقديم والتأخير والتقدير وهو الله يعلم في السموات وفي الأرض سركم وجهركم ومما يقوي هذه التأويلات أن قولنا وهو الله نظير قولنا هو الفاضل العالم وكلمة هو إنما تذكر ههنا لإفادة الحصر وهذه الفائدة إنما تحصل إذا جعلنا لفظ الله اسماً مشتقاً فأما لو جعلناه اسم علم شخص قائم مقام التعيين لم يصح إدخال هذه اللفظة عليه وإذا جعلنا قولنا الله لفظاً مفيداً صار معناه وهو المعبود في السماء وفي الأرض وعلى هذا التقدير يزول السؤال والله أعلم
المسألة الثانية المراد بالسر صفات القلوب وهي الدواعي والصوارف والمراد بالجهر أعمال الجوارح وإنما قدم ذكر السر على ذكر الجهر لأن المؤثر في الفعل هو مجموع القدرة مع الداعي فالداعية التي هي من باب السر هي المؤثرة في أعمال الجوارح المسماة بالجهر وقد ثبت أن العلم بالعلة علة للعلم بالمعلول والعلة متقدمة على المعلول والمتقدم بالذات يجب تقديمه بحسب اللفظ


الصفحة التالية
Icon