المسألة الثالثة قوله وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ فيه سؤال وهو أن الأفعال إما أفعال القلوب وهي المسماة بالسر وإما أعمال الجوارح وهي المسماة بالجهر فالأفعال لا تخرج عن السر والجهر فكان قوله وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ يقتضي عطف الشيء على نفسه وأنه فاسد
والجواب يجب حمل قوله مَا تَكْسِبُونَ على ما يستحقه الإنسان على فعله من ثواب وعقاب والحاصل أنه محمول على المكتسب كما يقال هذا المال كسب فلان أي مكتسبه ولا يجوز حمله على نفس الكسب وإلا لزم عطف الشيء على نفسه على ما ذكرتموه في السؤال
المسألة الرابعة الآية تدل عى كون الإنسان مكتسباً للفعل والكسب هو الفعل المفضي إلى اجتلاب نفع أو دفع ضر ولهذا السبب لا يوصف فعل الله بأنه كسب لكونه تعالى منزهاً عن جلب النفع ودفع الضرر والله أعلم
وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ ءَايَة ٍ مِّنْ ءَايَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ
اعلم أنه تعالى لما تكلم أولاً في التوحيد وثانياً في المعاد وثالثاً فيما يقرر هذين المطلوبين ذكر بعده ما يتعلق بتقرير النبوة وبدأ فيه بأن بين كون هؤلاء الكفار معرضين عن تأمل الدلائل غير ملتفتين إليها وهذه الآية تدل على أن التقليد باطل والتأمل في الدلائل واجب ولولا ذلك لما ذم الله المعرضين عن الدلائل قال الواحدي رحمه الله من في قوله مّنْ ءايَة ٍ لاستغراق الجنس الذي يقع في النفي كقولك ما أتاني من أحد والثانية وهي قوله مّنْ ءايَة ٍ مّنْ للتبعيض والمعنى وما يظهر لهم دليل قط من الأدلة التي يجب فيها النظر والاعتبار إلا كانوا عنه معرضين
فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ
أعلم أنه تعالى رتب أحوال هؤلاء الكفار على ثلاث مراتب فالمرتبة الأولى كونهم معرضين عن التأمل في الدلائل والتفكر في البينات والمرتبة الثانية كونهم مكذبين بها وهذه المرتبة أزيد مما قبلها لأن المعرض عن الشيء قد لا يكون مكذباً به بل يكون غافلاً عنه غير متعرض له فإذا صار مكذباً به فقد زاد على الأعراض والمرتبة الثالثة كونهم مستهزئين بها لأن المكذب بالشيء قد لا يبلغ تكذيبه به إلى حد الاستهزاء فإذا بلغ إلى هذا الحد فقد بلغ الغاية القصوى في الانكار فبين تعالى أن أولئك الكفار وصلوا إلى هذه المراتب الثلاثة على هذا الترتيب واختلفوا في المراد بالحق فقيل إنه المعجزات قال ابن مسعود انشق القمر بمكة وانفلق فلقتين فذهبت فلقة وبقيت فلقة وقيل إنه القرآن وقيل إنه محمد ( ﷺ ) وقيل إنه الشرع الذي أتى به محمد ( ﷺ ) والأحكام التي جاء بها محمد ( ﷺ ) وقيل إنه الوعد والوعيد الذي يرغبهم به تارة ويحذرهم بسببه أخرى والأولى دخول الكل فيه


الصفحة التالية
Icon