يضربه ولم يضربه فإنه يقال إنه رحمه فهذه الآية تدل على أن كل عقاب انصرف وكل ثواب حصل فهو ابتداء فضل وإحسان من الله تعالى وهو موافق لما يروى أن النبي ( ﷺ ) قال ) والذي نفسي بيده ما من الناس أحد يدخل الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ) ووضع يده فوق رأسه وطول بها صوته
المسألة الرابعة قال القاضي الآية تدل على أن من لم يعاقب في الآخرة ممن يصرف عنه العقاب فلا بد من أن يثاب وذلك يبطل قول من يقول إن فيمن يصرف عنه العقاب من المكلفين من لا يثاب لكنه يتفضل عليه
فإن قيل أليس من لم يعاقبه الله تعالى ويتفضل عليه فقد حصل له الفوز المبين وذلك يبطل دلالة الآية على قولكم
قلنا هذا الذي ذكرتموه مدفوع من وجوه الأول أن التفضل يكون كالابتداء من قبل الله تعالى وليس يكون ذلك مطلوباً من الفعل والفوز هو الظفر بالمطلوب فلا بدّ وأن يفيد أمراً مطلوباً والثاني أن الفوز المبين لا يجوز حمله على التفضل بل يجب حمله على ما يقتضي مبالغة في عظم النعمة وذلك لا يكون إلا ثواباً والثالث أن الآية معطوفة على قوله إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ( الأنعام ١٥ ) والمقابل للعذاب هو الثواب فيجب حمل هذه الرحمة على الثواب
واعلم أن هذا الاستدلال ضعيف جداً وضعفه ظاهر فلا حاجة فيه إلى الاستقصاء والله أعلم
وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَى ْءٍ قَدُيرٌ
في الآية مسائل
المسألة الأولى اعلم أن هذا دليل آخر في بيان أنه لا يجوز للعاقل أن يتخذ غير الله ولياً وتقريره أن الضر اسم للألم والحزن والخوف وما يفضي إليها أو إلى أحدها والنفع اسم للذة والسرور وما يفضي إليهما أو إلى أحدهما والخير اسم للقدر المشترك بين دفع الضر وبين حصول النفع فإذا كان الأمر كذلك فقد ثبت الحصر في أن الإنسان إما أن يكون في الضر أو في الخير لأن زوال الضر خير سواء حصل فيه اللذة أو لم تحصل وإذا ثبت هذا الحصر فقد بيّن الله تعالى أن المضار قليلها وكثيرها لا يندفع إلا بالله والخيرات لا يحصل قليلها وكثيرها إلا بالله والدليل على أن الأمر كذلك أن الموجود إما واجب لذاته وإما ممكن لذاته أما الواجب لذاته فواحد فيكون كل ما سواه ممكناً لذاته والممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاد الواجب


الصفحة التالية
Icon