والقاهر مشعر بكمال القدرة وتمام المكنة وأما أنها ملحوقة بلفظ فلأنها ملحوقة بقوله عِبَادِهِ وهذا اللفظ مشعر بالمملوكية والمقدورية فوجب حمل تلك الفوقية على فوقية القدرة لا على فوقية الجهة
فإن قيل ما ذكرتموه على الضد من قولكم إن قوله وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ دل على كمال القدرة فلو حملنا لفظ الفوق على فوقية القدرة لزم التكرار فوجب حمله على فوقية المكان والجهة
قلنا ليس الأمر كما ذكرتم لأنه قد تكون الذات موصوفة بكونها قاهرة للبعض دون البعض وقوله فَوْقَ عِبَادِهِ دل على أن ذلك القهر والقدرة عام في حق الكل والسابع وهو أنه تعالى لما ذكر هذه الآية رداً على من يتخذ غير الله ولياً والتقدير كأنه قال إنه تعالى فوق كل عباده ومتى كان الأمر كذلك امتنع اتخاذ غير الله ولياً وهذه النتيجة إنما يحسن ترتيبها على تلك الفوقيات كان المراد من تلك الفوقية الفوقية بالقدرة والقوة أما لو كان المراد منها الفوقية بالجهة فإن ذلك لا يفيد هذا المقصود لأنه لا يلزم من مجرد كونه حاصلاً في جهة فوق أن يكون التويل عليه في كل الأمور مفيداً وأن يكون الرجوع إليه في كل المطالب لازماً أما إذا حملنا ذلك على فوقية القدرة حسن ترتيب هذه النتيجة عليه فظهر بمجموع ما ذكرنا أن المراد ما ذكرناه لا ما ذكره أهل التشبيه والله أعلم
قُلْ أَى ُّ شَى ْءٍ أَكْبَرُ شَهَادة ً قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِى َ إِلَى َّ هَاذَا الْقُرْءَانُ لاٌّ نذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ ءَالِهَة ً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَاهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِى بَرِى ءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ
في الآية مسائل
المسألة الأولى أعلم أن الآية تدل على أن أكبر الشهادات وأعظمها شهادة الله تعالى ثم بيّن أن شهادة الله حاصلة إلا أن الآية لم تدل على أن تلك الشهادة حصلت في إثبات أي المطالب فنقول يمكن أن يكون المراد حصول شهادة الله في ثبوت نبوة محمد ( ﷺ ) ويمكن أن يكون المراد حصول هذه الشهادة في ثبوت وحدانية الله تعالى
أما الاحتمال الأول فقد روى ابن عباس أن رؤساء أهل مكة قالوا يا محمد ما وجد الله غيرك رسولاً وما نرى أحداً يصدقك وقد سألنا اليهود والنصارى عنك فزعموا أنه لا ذكر لك عندهم بالنبوة فأرنا من يشهد لك بالنبوة فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال قل يا محمد أي شيء أكبر شهادة من الله حتى يعترفوا بالنبوة فإن أكبر الأشياء شهادة هو الله سبحانه وتعالى فإذا اعترفوا بذلك فقل إن الله شهيد لي بالنبوة لأنه أوحي إليّ هذا القرآن وهذا القرآن معجز لأنكم أنتم الفصحاء والبلغاء وقد عجزتم عن معارضته فإذا كان معجزاً كان إظهار الله إياه على وفق دعواي شهادة من الله على كوني صادقاً في دعواي والحاصل أنهم طلبوا شاهداً


الصفحة التالية
Icon