مقبول القول يشهد على نبوته فبين تعالى أن أكبر الأشياء شهادة هو لله ثم بيّن أنه شهد له بالنبوة وهو المراد من قوله قُلْ أَى ُّ شَى ْء أَكْبَرُ شَهَادة ً قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ فهذا تقرير واضح
وأما الاحتمال الثاني وهو أن يكون المراد حصول هذه الشهادة في وحدانية الله تعالى
فاعلم أن هذا الكلام يجب أن يكون مسبوقاً بمقدمة وهي أنا نقول المطالب على أقسام ثلاثة منها ما يمتنع إثباته بالدلائل السمعية فإن كل ما يتوقف صحة السمع على صحته امتنع إثباته بالسمع وإلا لزم الدور ومنها ما يمتنع إثباته بالعقل وهو كل شيء يصح وجوده ويصح عدمه عقلاً فلا امتناع في أحد الطرفين أصلاً فالقطع على أحد الطرفين يعينه لا يمكن إلا بالدليل السمعي ومنها ما يمكن إثباته بالعقل والسمع معاً وهو كل أمر عقلي لا يتوقف على العلم به فلا جرم أمكن إثباته بالدلائل السمعية
إذا عرفت هذا فنقول قوله قُلِ اللَّهُ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ في إثبات الوحدانية والبراءة عن الشركاء والاضداد والأنداد والأمثال والأشباه
ثم قال قُلْ أَى ُّ شَى ْء أَكْبَرُ شَهَادة ً قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ أي إن القول بالتوحيد هو الحق الواجب وأن القول بالشرك باطل مردود
المسألة الثانية نقل عن جهم أنه ينكر كونه تعالى شيئاً
واعلم أنه لا ينازع في كونه تعالى ذاتاً موجوداً وحقيقة إلا أنه ينكر تسميته اعالى بكونه شيئاً فيكون هذا خلافاً في مجرد العبارة واحتج الجمهور على تسمية الله تعالى بالشيء بهذه الآية وتقريره أنه قال أي الأشياء أكبر شهادة ثم ذكر في الجواب عن هذا السؤال قوله قُلِ اللَّهُ وهذا يوجب كونه تعالى شيئاً كما أنه لو قال أي الناس أصدق فلو قيل جبريل كان هذا الجواب خطأ لأن جبريل ليس من الناس فكذا ههنا
فإن قيل قوله قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ كلام تام مستقبل بنفسه لا تعلق له بما قبله لأن قوله اللَّهِ مبتدأ وقوله شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ خبره وهو جملة تامة مستقلة بنفسها لا تعلق لها بما قبلها
قلنا الجواب في وجهين الأول أن نقول قوله قُلْ أَى ُّ شَى ْء أَكْبَرُ شَهَادة ً لا شك أنه سؤال ولا بدّ له من جواب إما مذكور وإما محذوف
فإن قلنا الجواب محذوف فنقول هذا على خلاف الدليل وأيضاً فبتقدير أن يكون الجواب محذوفاً إلا أن ذلك المحذوف لا بدّ وأن يكون أمراً يدل المذكور عليه ويكون لائقاً بذلك الموضع
والجواب اللائق بقوله أَى ُّ شَى ْء أَكْبَرُ شَهَادة ً هو أن يقال هو الله ثم يقال بعده اللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ وعلى هذا التقدير فيصح الاستدلال بهذه الآية أيضاً على أنه تعالى يسمى باسم الشيء فهذا تمام تقرير هذا الدليل


الصفحة التالية
Icon