ذلك يدل على إقدامهم في بعض الأوقات على الكذب والرابع قوله حكاية عنهم وَنَادَوْاْ يامَالِكُ مَالِكَ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ( الزخرف ٧٧ ) وقد علموا أنه تعالى لا يقضي عليهم بالخلاص والخامس أنه تعالى في هذه الآية حكى عنهم أَنَّهُمْ قَالُواْ وَاللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ وحمل هذا على أن المراد ما كنا مشركين في ظنوننا وعقائدنا مخالفة للظاهر ثم حمل قوله بعد ذلك انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ على أنهم كذبوا في الدنيا يوجب فك نظم الآية وصرف أول الآية إلى أحوال القيامة وصرف آخرها إلى أحوال الدنيا وهو في غاية البعد أما قوله إما أن يكونوا قد كذبوا حال كمال العقل أو حال نقصان العقل فنقول لا يبعد أي يقال إنهم حال ما عاينوا أهوال القيامة وشاهدوا موجبات الخوف الشديد اختلت عقولهم فذكروا هذا الكلام في ذلك الوقت وقوله كيف يليق بحكمة الله تعالى أن يحكى عنهم ما ذكروه في حال اضطراب العقول فهذا يوجب الخوف الشديد عند سماع هذا الكلام حال كونهم في الدنيا ولا مقصود من تنزيل هذه الآيات إلا ذلك وأما قوله ثانياً المكلفون لا بدّ أن يكونوا عقلاء يوم القيامة فنقول اختلال عقولهم ساعة واحدة حال ما يتكلمون بهذا الكلام لا يمنع من كمال عقولهم في سائر الأوقات فهذا تمام الكلام في هذه المسألة والله أعلم
أما قوله تعالى انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ فالمراد إنكارهم كونهم مشركين وقوله وَضَلَّ عَنْهُم عطف على قوله كَذَّبُواْ تقديره وكيف ضل عنهم ما كانوا يفترون بعبادته من الأصنام فلم تغن عنهم شيئاً وذلك أنهم كانوا يرجون شفاعتها ونصرتها لهم
وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّة ً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِى ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَة ٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَاذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الاٌّ وَّلِينَ
اعلم أنه تعالى لما بيّن أحوال الكفار في الآخرة أتبعه بما يوجب اليأس عن إيمان بعضهم فقال وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وفي الآية مسائل
المسألة الأولى قال ابن عباس حضر عند رسول الله ( ﷺ ) أبو سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحرث وعقبة وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأُمية وأبي ابنا خلف والحرث بن عامر وأبو جهل واستمعوا إلى حديث الرسول ( ﷺ ) فقالوا للنضر ما يقول محمد فقال لا أدري ما يقول لكني أراه يحرك شفتيه ويتكلم بأساطير الأولين كالذي كنت أحدثكم به عن أخبار القرون الأولى وقال أبو سفيان إني لا أرى بعض ما يقول حقاً فقال أبو جهل كلا فأنزل الله تعالى وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّة ً أَن يَفْقَهُوهُ والأكنة جمع كنان وهو ما وقى شيئاً وستره مثل عنان وأعنة والفعل منه كننت وأكننت وأما قوله أَن يَفْقَهُوهُ فقال الزجاج موضع ءانٍ نصب على أنه مفعول له والمعنى وجعلنا على قلوبهم أكنة لكراهة أن يفقهوه فلما حذفت ( اللام ) نصبت الكراهة ولما حذفت الكراهة انتقل نصبها إلى ( أن ) وقوله وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ قال


الصفحة التالية
Icon