قلنا إن ظاهر قوله وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ يرجع إلى كل ما تقدم ذكره لأنه بمنزلة أن يقال إن فلاناً يبعد عن الشيء الفلاني وينفر عنه ولا يضر بذلك إلا نفسه فلا يكون هذا الضرر متعلقاً بأحد الأمرين دون الآخر
المسألة الثانية اعلم أن أولئك الكفار كانوا يعاملون رسول الله ( ﷺ ) بنوعين من القبيح الأول إنهم كانوا ينهون الناس عن قبول دينه والاقرار بنبوته والثاني كانوا ينأون عنه والنأي البعد يقال نأى ينأى إذا بعد ثم قال وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ قال ابن عباس أي وما يهلكون إلا أنفسهم بسبب تماديهم في الكفر وغلوهم فيه وما يشعرون أنهم يهلكون أنفسهم ويذهبونها إلى النار بما يرتكبون من الكفر والمعصية والله أعلم
وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِأايَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
اعلم أنه تعالى لما ذكر صفة من ينهى عن متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام وينأى عن طاعته بأنهم يهلكون أنفسهم شرح كيفية ذلك الهلاك بهذه الآية وفيها مسائل
المسألة الأولى قوله وَلَوْ تَرَى يقتضي لله جواباً وقد حذف تفخيماً للأمر وتظيماً للشأن وجاز حذفه لعلم المخاطب به وأشباهه كثيرة في القرآن والشعر ولو قدرت الجواب كان التقدير لرأيت سوء منقلبهم أو لرأيت سوء حالهم وحذف الجواب في هذه الأشياء أبلغ في المعنى من إظهاره ألا ترى أنك لو قلت لغلامك والله لئن قمت إليك وسكت عن الجواب ذهب بفكره إلى أنواع المكروه من الضرب والقتل والكسر وعظم الخوف ولم يدر أي الأقسام تبغي ولو قلت والله لئن قمت إليك لأضربنك فأتيت بالجواب لعلم أنك لم تبلغ شيئاً غير الضرب ولا يخطر بباله نوع من المكروه سواه فثبت أن حذف الجواب أقوى تأثيراً في حصول الخوف ومنهم من قال جواب لَوْ مذكور من بعض الوجوه والتقدير ولو ترى إذ وقفوا على النار ينوحون ويقولون يا ليتنا نرد ولا نكذب
المسألة الثانية قوله وُقِفُواْ يقال وقفته وقفاً ووقفته وقوفاً كما يقال رجعته رجوعاً قال الزجاج ومعنى وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ يحتمل ثلاثة أوجه الأول يجوز أن يكون قد وقفوا عندها وهم يعاينونها فهم موقوفون على أن يدخلوا النار والثاني يجوز أن يكونوا وقفوا عليها وهي تحتهم بمعنى أنهم وقفوا فوق النار على الصراط وهو جسر فوق جهنم والثالث معناه عرفوا حقيقتها تعريفاً من قولك وقفت فلاناً على كلام فلان أي علمته معناه وعرفته وفيه وجه رابع وهم أنهم يكونون في جوف النار وتكون


الصفحة التالية
Icon