النار محيطة بهم ويكونون غائصين فيها وعلى هذا التقدير فقد أقيم ( على ) مقام ( في ) وإنما صح على هذا التقدير أن يقال وقفوا على النار لأن النار دركات وطبقات وبعضها فوق بعض فيصح هناك معنى الاستعلاء
فإن قيل فلماذا قال وَلَوْ تَرَى وذلك يؤذن بالاستقبال ثم قال بعده إذط وقفوا وكلمة إِذْ للماضي ثم قال بعده فقالوا وهو يدل على الماضي
قلنا أن كلمة ( إذ تقام مقام ( إذا ) إذا أراد المتكلم المبالغة في التكرير والتوكيد وإزالة الشبهة لأن الماضي قد وقع واستقر فالتعبير عن المستقبل باللفظ الموضوع للماضي يفيد المبالغة من هذا الاعتبار
المسألة الثالثة قال الزجاج الإمالة في النار حسنة جيدة لأن ما بعد الألف مكسور وهو حرف الراء كأنه تكرر في اللسان فصارت الكسرة فيه كالكسرتين
أما قوله تعالى فَقَالُواْ يالَيْتَنَا يالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذّبَ بِئَايَاتِ رَبّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ففيه مسائل
المسألة الأولى قوله لَنَا أَوْ نُرَدُّ يدل على أنهم قد تمنوا أن يردوا إلى الدنيا فأما قوله وَلاَ نُكَذّبَ بِئَايَاتِ رَبّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ففيه قولان أحدهما أنه داخل في التمني والتقدير أنهم تمنوا أن يردوا إلى الدنيا ولا يكونوا مكذبين وأن يكونوا مؤمنين
فإن قالوا هذا باطل لأنه تعالى حكم عليهم بكونهم كاذبين بقوله في آخر الآية وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ والمتمني لا يوصف بكونه كاذباً
قلنا لا نسلم أن المتمني لا يوصف بكونه كاذباً لأن من أظهر التمني فقد أخبر ضمناً كونه مريداً لذلك الشيء فلم يبعد تكذيبه فيه ومثاله أن يقول الرجل ليت الله يرزقني مالاً فأحسن إليك فهذا تمن في حكم الوعد فلو رزق مالاً ولم يحسن إلى صاحبه لقيل إنه كذب في وعده
القول الثاني أن التمني تمّ عند قوله لَنَا أَوْ نُرَدُّ وأما قوله وَلاَ نُكَذّبَ بِئَايَاتِ رَبّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فهذا الكلام مبتدأ وقوله تعالى في آخر الآية وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ عائد إليه وتقدير الكلام يا ليتنا نرد ثم قالوا ولو رددنا لم نكذب بالدين وكنا من المؤمنين ثم إنه تعالى كذبهم وبيّن أنهم لو ردوا لكذبوا ولأعرضوا عن الإيمان
المسألة الثانية قرأ ابن عامر نرد ونكذب بالرفع في الثلاثة فحصل من هذا أنهم اتفقوا على الرفع في قوله نُرَدُّ وذلك لأنه داخلة في التمني لا محالة فأما الذين رفعوا قوله وَلاَ نُكَذّبَ وَنَكُونَ ففيه وجهان الأول أن يكون معطوفاً على قوله نُرَدُّ فتكون الثلاثة داخل في التمني فعلى هذا قد تمنوا الرد وأن لا يكذبوا وأن يكونوا من المؤمنين
والوجه الثاني أن يقطع ولا نكذب وما بعده عن الأول فيكون البقدير يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين فهم ضمنوا أنهم لا يكذبون بتقدير حصول الرد والمعنى يا ليتنا نرد


الصفحة التالية
Icon