المماثلة في أي المعاني حصلت ولا يمكن أن يقال المراد حصول الممائلة من كل الوجوه وإلا لكان يجب كونها أمثالا لنا في الصورة والخلقة وذلك باطل فظهر أنه لا دلالة على أن تلك المماثلة حصلت في أي الأحوال والأمور فبينوا ذلك
والجواب اختلف الناس في تعيين الأمر الذي حكم الله تعالى فيه بالمماثلة بين البشر وبين الدواب والطيور وذكروا فيه أقوالاً
القول الأول نقل الواحدي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال يريد يعرفونني ويوحدونني ويسبحونني ويحمدونني وإلى هذا القول ذهب طائفة عظيمة من المفسرين وقالوا إن هذه الحيوانات تعرف الله وتحمده وتوحده وتسبحه واحتجوا عليه بقوله تعالى وَأَنْ مِمَّنْ شَى ْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ( الإسراء ٤٤ ) وبقوله في صفة الحيوانات كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ( النور ٤١ ) وبما أنه تعالى خاطب النمل وخاطب الهدهد وقد استقصينا في تقرير هذا القول وتحقيقه في هذه الآيات
وعن أبي الدرداء أنه قال أبهمت عقول البهائم عن كل شيء إلا عن أربعة أشياء معرفة الإله وطلب الرزق ومعرفة الذكر والأنثى وتهيوء كل واحد منهما لصاحبه
وروي عن النبي ( ﷺ ) أنه قال ( من قتل عصفوراً عبثاً جاء يوم القيامة يعج إلى الله يقول يا رب إن هذا قتلني عبثاً لم ينتفع بي ولم يدعني آكل من خشاش الأرض )
والقول الثاني المراد إلا أمم أمثالكم في كونها أمماً وجماعات وكونها مخلوقة بحيث يشبه بعضها بعضاً ويأنس بعضها ببعض ويتوالد بعضها من بعض كالإنس إلا أن للسائل أن يقول حمل الآية على هذا الوجه لا يفيد فائدة معتبرة لأن كون الحيوانات بهذه الصفة أمر معلوم لكل أحد فلا فائدة في الاخبار عنها
القول الثالث المراد أنها أمثالنا في أن دبرها الله تعالى وخلقها وتكفل برزقها وهذا يقرب من القول الثاني في أنه يجري مجرى الاخبار عما علم حصوله بالضرورة
القول الرابع أراد تعالى أنها أمثالنا في أنها تحشر يوم القيامة يوصل إليها حقوقها كما روي عن النبي ( ﷺ ) أنه قال ( يقص للجماء من القرناء )
القول السادس ما اخترناه في نظم الآية وهو أن الكفار طلبوا من النبي ( ﷺ ) الإتيان بالمعجزات القاهرة الظاهرة فبين تعالى أن عنايته وصلت إلى جميع الحيوانات كما وصلت إلى الإنسان ومن بلغت رحمته وفضله إلى حيث لا يبخل به على البهائم كان بأن لا يبخل به على البهائم كان بأن لا يبخل به على الإنسان أولى فدل منع الله من إظهار تلك المعجزات القاهرة على أنه لا مصلحة لأولئك السائلين في إظهارها وأن إظهارها على وفق سؤالهم واقتراحهم يوجب عود الضرر العظيم إليهم