القول السابع ما رواه أبو سليمان الخطابي عن سفيان بن عيينة أنه لما قرأ هذه الآية قال ما في الأرض آدمي إلا وفيه شبه من بعض البهائم فمنهم من يقدم إقدام الأسد ومنهم من يعدو عدو الذئب ومنهم من ينبح نباح الكلب ومنهم من يتطوس كفعل الطاوس ومنهم من يشبه الخنزير فإنه لو ألقي إليه الطعام الطيب تركه وإذا قام الرجل عن رجيعه ولغ فيه فكذلك نجد من الآدميين من لو سمع خمسين حكمة لم يحفظ واحدة منها فإن أخطأت مرة واحدة حفظها ولم يجلس مجلساً إلا رواه عنه
ثم قال فاعلم يا أخي إنك إنما تعاشر البهائم والسباع فبالغ في الحذار والاحتراز فهذا جملة ما قيل في هذا الموضع
المسألة الثالثة ذهب القائلون بالتناسخ إلى أن الأرواح البشرية إن كانت سعيدة مطيعة لله تعالى موصوفة مخالطة عالم الملائكة وأما إن كانت شقية جاهلة عاصية فإنها تنقل إلى أبدان الحيوانات وكلما كانت تلك الأرواح أكثر شقاوة واستحقاقاً للعذاب نقلت إلى بدن حيوان أخس وأكثر شقاء وتعباً واحتجوا على صحة قولهم بهذه الآية فقالوا صريح هذه الآية يدل على أنه لا دابة ولا طائر إلا وهي أمثالنا ولفظ المماثلة يقتضي حصول المساواة في جميع الصفات الذاتية أما الصفات العرضية المفارقة فالمساواة فيها غير معتبرة في حصول المماثلة ثم إن القائلين بهذا القول زادوا عليه وقالوا قد ثبت هذا أن أرواح جميع الحيوانات عارفة بربها وعارفة بما يحصل لها من السعادة والشقاوة وأن الله تعالى أرسل إلى كل جنس منها رسولاً من جنسها واحتجوا عليه بأنه ثبت بهذه الآية أن الدواب والطوير أمم ثم إنه تعالى قال وَإِن مّنْ أُمَّة ٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ ( فاطر ٢٤ ) وذلك تصريح بأن لكل طائفة من هذه الحيوانات رسولاً أرسله الله إليها ثم أكدوا ذلك بقصة الهدهد وقصة النمل وسائر القصص المذكورة في القرآن
واعلم أن القوم بالتناسخ قد أبطلناه بالدلائل الجيدة في علم الأصول وأما هذه الآية فقد ذكرنا ما يكفي في صدق حصول المماثلة في بعض الأمرة المذكورة فلا حاجة إلى إثبات ما ذكره أهل التناسخ والله أعلم
ثم قال تعالى مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَابِ مِن شَى ْء وفي المراد بالكتاب قولان
القول الأول المراد منه الكتاب المحفوظ في العرش وعالم السماوات المشتمل على جميع أحوال المخلوقات على التفصيل التام كما قال عليه السلام ( جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة )
والقول الثاني أن المراد منه القرآن وهذا أظهر لأن الألف واللام إذا دخلا على الاسم المفرد انصرف إلى المعهود السابق والمعهود السابق من الكتاب عند المسلمين هو القرآن فوجب أن يكون المراد من الكتاب في هذه الآية القرآن
إذا ثبت هذا فلقائل أن يقول كميف قال تعالى مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَابِ مِن شَى ْء مع أنه ليس فيه تفاصيل علم الطب وتفاصيل علم الحساب ولا تفاصيل كثير من المباحث والعلوم وليس فيه أيضاً تفاصيل مذاهب الناس ودلائلهم في علم الأصول والفروع


الصفحة التالية
Icon