فإن قيل إذا ذبح ما لا يؤكل لحمه على وجه التذكية فعلى من العوض
أجاب بأن ذلك ظلم والعوض على الذابح ولذلك نهى النبي ( ﷺ ) عن ذبح الحيوان إلا لمأكلة
الفرع الثالث المراد من العوض منافع عظيم بلغت في الجلالة والرفعة إلى حيث لو كانت هذه البهيمة عاقلة وعلمت أنه لا سبيل لها إلى تحصيل تلك المنفعة إلا بواسطة تحمل ذلك الذبح فإنها كانت ترضى به فهذا هو العوض الذي لأجله يحسن الإيلام والأضرار
الفرع الرابع مذهب القاضي وأكثر معتزلة البصرة أن العوض منقطع قال القاضي وهو قول أكثر المفسرين لأنهم قالوا إنه تعالى بعد توفير العوض عليها يجعلها تراباً وعند هذا يقول الكافر يا ليتني كنت تراباً قال أبو القاسم البخلي يجب أن يكون العوض دائماً واحتج القاضي على قوله بأنه يحسن من الواحد منا أن يلتزم عملاً شاقاً والأجرة منقطعة فعلمنا أن إيصال الألم إلى الغير غير مشروط بدوام الأجرة واحتج البخلي على قوله بأن قال إنه لا يمكن قطع ذلكالعوض إلا بإماتة تلك البهيمة وإماتتها توجب الألم وذلك الألم يوجب عوضاً آخر وهكذا إلى ما لا آخر له
والجواب عنه أنه لم يثبت بالدليل أن الإماتة لا يمكن تحصيلها إلا مع الإيلام والله أعلم
الفرع الخامس أن البهيمة إذا استحقت على بهيمة أخرى عوضاً فإن كانت البهيمة الظالمة قد استحقت عوضاً على الله تعالى فإنه ينقل ذلك العوض إلى المظلوم وإن لم يكن الأمر كذلك فالله تعالى يكمل ذلك العوض فهذا مختصر من أحكام الأعواض على قول المعتزلة والله أعلم
وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِأايَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِى الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
فيه مسائل
المسألة الأولى في وجه النظم قولان الأول أنه تعالى بين من حال الكفار أنهم بلغوا في الكفر إلى حيث كأن قلوبهم قد صارت ميتة عن قبول الإيمان بقوله إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ( الأنعام ٣٦ ) فذكر هذه الآية تقريراً لذلك المعنى الثاني أنه تعالى لما ذكر في قوله وَمَا مِن دَابَّة ٍ فِى الاْرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ( الأنعام ٣٨ ) في كونها دالة على كونها تحت تدبير مدبر قديم وتحت تقدير مقدر حكيم وفي أن عناية الله محيطة بهم ورحمته واصلة إليهم قال بعده والمكذبون لهذه الدلائل والمنكرون لهذه العجائب صم لا يسمعون كلاماً ألبتة بكم لا ينطقون بالحق خائضون في ظلمات الكفر غافلون عن تأمل هذه الدلائل


الصفحة التالية
Icon