قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّى مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَى َّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الاٌّ عْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ
في الآية مسائل
المسألة الأولى اعلم أن هذا من بقية الكلام على قوله لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْهِ ءايَة ٌ مّن رَّبّهِ ( الأنعام ٣٧ ) فقال الله تعالى قل لهؤلاء الأقوام إنما بعثت مبشراً ومنذراً وليس لي أن أتحكم على الله تعالى وأمره الله تعالى أن ينفي عن نفسه أموراً ثلاثة أولها قوله لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ اللَّهِ فاعلم أن القوم كانوا يقولون له إن كنت رسولاً من عند الله فاطلب من الله حتى يوسع علينا منافع الدنيا وخيراتها ويفتح علينا أبواب سعادتها فقال تعالى قل لهم إني لا أقول لكم عندي خزائن الله فهو تعالى يؤتي الملك من يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير لا بيدي والخزائن جمع خزانة وهو اسم للمكان الذي يخزن فيه الشيء وخزن الشيء إحرازه بحيث لا تناله الأيدي وثانيها قوله وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ومعناه أن القوم كانوا يقولون له إن كنت رسولاً من عند الله فلا بدّ وأن تخبرنا عما يقع في المستقبل من المصالح والمضار حتى نستعد لتحصيل تلك المصالح ولدفع تلك المضار فقال تعالى قل إني لا أعلم الغيب فكيف تطلبون مني هذه المطالب
والحاصل أنهم كانوا في المقام الأول يطلبون منه الأموال الكثيرة والخيرات الواسعة وفي المقام الثاني كانوا يطلبون منه الاخبار عن الغيوب ليتوسلوا بمعرفة تلك الغيوب إلى الفوز بالمنافع والاجتناب عن المضار والمفاسد وثالثها قوله وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنّى مَلَكٌ ومعناه أن الوقم كانوا يقولون مَّالِ هَاذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى الاْسْوَاقِ ( الفرقان ٧ ) ويتزوج ويخالط الناس فقال تعالى قل لهم إني لست من الملائكة
واعلم أن الناس اختلفوا في أنه ما الفائدة في ذكر نفي هذه الأحوال الثلاثة
فالقول الأول أن المراد منه أن يظهر الرسول من نفسه الواضع لله والخضوع له والاعتراف بعبوديته حتى لا يعتقد فيه مثل اعتقاد النصارى في المسيح عليه السلام
والقول الثاني أن القوم كانوا يقترحون منه إظهار المعجزات القاهرة القوية كقولهم وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الاْرْضِ يَنْبُوعًا ( الإسراء ٩٠ ) إلى آخر الآية فقال تعالى في آخر الآية قُلْ سُبْحَانَ رَبّى هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً ( الإسراء ٩٣ ) يعني لا أدعي إلا الرسالة والنبوّة وأما هذه الأمور التي طلبتموها فلا يكن تحصيلها إلا بقدرة الله فكان المقصود من هذا الكلام إظهار العجز والضعف وأنه لا يستقل بتحصيل هذه المعجزات التي طلبوها منه