المسألة الرابعة قوله لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ قال ابن عباس معناه وأنذرهم لكي يخافوا في الدنيا وينتهوا عن الكفر والمعاصي قالت المعتزلة وهذا يدل على أنه تعالى أراد من الكفار التقوى والطاعة والكلام على هذا النوع من الاستدلال قد سبق مراراً
وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاة ِ وَالْعَشِى ِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَى ْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَى ْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ
فيه مسائل
المسألة الأولى روي عن عبدالله بن مسعود أنه قال مر الملأ من قريش على رسول الله ( ﷺ ) وعنده صهيب وخباب وبلال وعمار وغيرهم من ضعفاء المسلمين فقالوا يا محمد أرضيت بهؤلاء عن قومك أفنحن نكون تبعاً لهؤلاء أطردهم عن نفسك فلعلك إن طردتهم اتبعناك فقال عليه السلام ( ما أنا بطارد المؤمنين ) فقالوا فأقمهم عنا إذا جئنا فإذا أقمنا فأقعدهم معك إن شئت فقال ( نعم ) طمعاً في إيمانهم وروي أن عمر قال له لو فعلت حتى ننظر إلى ماذا يصيرون ثم ألحوا وقالوا للرسول عليه السلام أكتب لنا بذلك كتاباً فدعا بالصحيفة وبعلي ليكتب فنزلت هذه الآية فرمى الصحيفة واعتذر عمر عن مقالته فقال سلمان وخباب فينا نزلت فكان رسول الله ( ﷺ ) يقعد معنا وندنو منه حتى تمس ركبتنا ركبته وكان يقوم عنا إذا أراد القيام فنزل قوله وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم ( الكهف ٢٨ ) فترك القيام عنا إلى أن نقوم عنه وقال ( الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن اصبر نفسي مع قوم من أمتي معكم المحيا ومعكم الممات )
المسألة الثانية احتج الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم السلام بهذه الآية من وجوه الأول أنه عليه السلام طردهم والله تعالى نهاه عن ذلك الطرد فكان ذلك الطرد ذنباً والثاني أنه تعالى قال فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ وقد ثبت أنه طردهم فيلزم أن يقال إنه كان من الظالمين والثالث أنه تعالى حكى عن نوح عليه السلام أنه قال وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ ءامَنُواْ ( هود ٢٩ ) ثم إنه تعالى أمر محمداً عليه السلام بمتابعة الأنبياء عليهم السلام في جميع الأعمال الحسنة حيث قال أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ( الأنعام ٩٠ ) فبهذا الطريق وجب على محمد عليه السلام أن لا يطردهم فلما طردهم كان ذلك ذنباً والرابع أنه تعالى ذكر هذه الآية في سورة الكهف فزاد فيها فقال تُرِيدُ زِينَة َ الْحَيَواة ِ ( الكهف ٢٨ ) ثم إنه تعالى نهاه عن الالتفات إلى زينة الحياة الدنيا في آية أخرى فقال تَرْضَى وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْواجاً مّنْهُمْ زَهْرَة َ الْحَيَواة ِ الدُّنْيَا ( طه ١٣١ ) فلما نهى عن الالتفات إلى زينة الدنيا ثم ذكر في تلك الآية أنه يريد زينة الحياة الدنيا كان ذلك ذنباً الخامس نقل أن أولئك الفقراء كلما دخلوا على رسول الله ( ﷺ ) بعد