واعلم أنه كان خوفهم لأمور أحدها قلة العدد وثانيها أنهم كانوا رجالة روي أنه ما كان فيهم إلا فارسان وثالثها قلة السلاح
المسألة الثالثة روي أنه ( ﷺ ) إنما خرج من بيته باختيار نفسه ثم إنه تعالى أضاف ذلك الخروج إلى نفسه فقال كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقّ وهذا يدل على أن فعل العبد بخلق الله تعالى إما ابتداء أو بواسطة القدرة والداعية اللذين مجموعهما يوجب الفعل كما هو قولنا قال القاضي معناه أنه حصل ذلك الخروج بأمر الله تعالى وإلزامه فأضيف إليه
قلنا لا شك أن ما ذكرتموه مجاز والأصل حمل الكلام على حقيقته
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَة ِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ
اعلم أن قوله إِذْ منصوب بإضمار اذكر أنها لكم بدل من إحدى الطائفتين قال الفراء والزجاج ومثله قوله تعالى هَلُ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَة َ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَة ً ( الزخرف ٦٦ ) وَأَنْ في موضع نصب كما نصب الساعة وقوله أيضاً وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن ( الفتح ٢٥ ) حَمِيمٍ ءانٍ في موضع رفع بلولاً والطائفتان العير والنفير وغير ذات الشوكة العير لأنه لم يكن فيها إلا أربعون فارساً والشوكة كانت في النفير لعددهم وعدتهم والشوكة الحدة مستعارة من واحدة الشوك ويقال شوك القنا لسنانها ومنه قولهم شاكي السلاح أي تتمنون أن يكون لكم العير لأنها الطائفة التي لا حدة لها ولا شدة ولا تريدون الطائفة الأخرى ولكن الله أراد التوجه إلى الطائفة الأخرى ليحق الحق بكلماته وفيه سؤالات
السؤال الأول أليس أن قوله يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ثم قوله بعد ذلك لِيُحِقَّ الْحَقَّ تكرير محض
والجواب ليس ههنا تكرير لأن المراد بالأول سبب ما وعد به في هذه الواقعة من النصر والظفر بالأعداء والمراد بالثاني تقوية القرآن والدين ونصرة هذه الشريعة لأن الذي وقع من المؤمنين يوم بدر بالكافرين كان سبباً لعزة الدين وقوته ولهذا السبب قرنه بقوله وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ الذي هو الشرك ولك في مقابلة الْحَقّ الذي هو الدين والإيمان
السؤال الثاني الحق حق لذاته والباطل باطل لذاته وما ثبت للشيء لذاته فإنه يمتنع تحصيله بجعل جاعل وفعل فاعل فما المراد من تحقيق الحق وإبطال الباطل


الصفحة التالية
Icon