الوادي الثالث أن المؤمنين كانوا خائفين من القتال يوم بدر فكأنه قيل لهم سارعوا إلى الطاعة ولا تتمنعوا عنها بسبب ما تجدون في قلوبكم من الضعف والجبن فإن الله تعالى يغير تلك الأحوال فيبدل الضعف بالقوة والجبن بالشجاعة لأنه تعالى مقلب القلوب الرابع قال مجاهد المراد من القلب ههنا العقل فكان المعنى أنه يحول بين المرء وقلبه والمعنى فبادروا إلى الأعمال وأنتم تعقلون فإنكم لا تؤمنون زوال العقول التي عند ارتفاعها يبطل التكليف وجعل القلب كناية عن العقل جائز كما قال تعالى إِنَّ فِى ذالِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ( ق ٣٧ ) أي لمن كان له عقل الخامس قال الحسن معناه أن الله حائل بين المرء وقلبه والمعنى أن قربه تعالى من عبده أشد من قرب قلب العبد منه والمقصود منه التنبيه على أنه تعالى لا يخفى عليه شيء مما في باطن العبد ومما في ضميره ونظيره قوله تعالى وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ( ق ١٦ ) فهذه جملة الوجوه المذكورة في هذا الباب لأصحاب الجبر والقدر
ثم قال تعالى وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ أي واعلموا أنكم إليه تحشرون أي إلى الله ولا تتركون مهملين معطلين وفيه ترغيب شديد في العمل وتحذير عن الكسل والغفلة
وَاتَّقُواْ فِتْنَة ً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّة ً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
اعلم أنه تعالى كما حذر الإنسان أن يحال بينه وبين قلبه فكذلك حذره من الفتن والمعنى واحذروا فتنة إن نزلت بكم لم تقتصر على الظالمين خاصة بل تتعدى إليكم جميعاً وتصل إلى الصالح والطالح عن الحسن نزلت في علي وعمار وطلحة والزبير وهو يوم الجمل خاصة قال الزبير نزلت فينا وقرأناها زماناً وما ظننا أنا أهلها فإذا نحن المعنيون بها وعن السدي نزلت في أهل بدر اقتتلوا يوم الجمل وروي أن الزبير كان يسامر النبي ( ﷺ ) يوماً إذ أقبل علي رضي الله عنه فضحك إليه الزبير فقال رسول الله ( كيف حبك لعلي فقال يارسول الله أحبه كحبي لولدي أو أشد فقال ( كيف أنت إذا سرت إليه تقاتله )
فإن قيل كيف جاز دخول النون المؤكدة في جواب الأمر
قلنا فيه وجهان الأول أن جواب الأمر جاء بلفظ النهي ومتى كان كذلك حسن إدخال النون المؤكدة في ذلك النهي كقولك انزل عن الدابة لا تطرحك أو لا تطرحنك وكقوله تعالى نَمْلَة ٌ يأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ ( النمل ١٨ ) الثاني أن التقدير واتقوا فتنة تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة إلا أنه جيء بصيغة النهي مبالغة في نفي اختصاص الفتنة بالظالمين كأن الفتنة نهيت عن ذلك الاختصاص وقيل لها لا تصيبي الذين ظلموا خاصة والمراد منه المبالغة في عدم الاختصاص على سبيل الاستعارة
ثم قال تعالى وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ والمراد منه الحث على لزوم الاستقامة خوفاً من عقاب الله
فإن قيل حاصل الكلام في الآية أنه تعالى يخوفهم من عذاب لو نزل لعم المذنب وغيره وكيف يليق


الصفحة التالية
Icon