الفسق والكفر فقد غيروا نعمة الله تعالى على أنفسهم فلا جرم استحقوا تبديل النعم بالنقم والمنح بالمحن قال وهذا من أوكد ما يدل على أنه تعالى لا يبتدىء أحداً بالعذاب والمضرة والذي يفعله لا يكون الأجزاء على معاص سلفت ولو كان تعالى خلقهم وخلق جسمانهم وعقولهم ابتداء للنار كما يقوله القوم لما صح ذلك قال أصحابنا ظاهر الآية مشعر بما قاله القاضي الإمام إلا أنا لو حملنا الآية عليه لزم أن يكون صفة الله تعالى معللة بفعل الإنسان وذلك لأن حكم الله بذلك التغيير وإرادته لما كان لا يحصل إلا عند إتيان الأنسان بذلك الفعل فلو لم يصدر عند ذلك الفعل لم يحصل لله تعالى ذلك الحكم وتلك الإرادة فحينئذ يكون فعل الإنسان مؤثراً في حدوث صفة في ذات الله تعالى ويكون الإنسان مغيراً صفة الله ومؤثراً فيها وذلك محال في بديهة العقل فثبت أنه لا يمكن حمل هذا الكلام على ظاهره بل الحق أن صفة الله غالبة على صفات المحدثات فلولا حكمه وقضاؤه أولاً لما أمكن للعبد أن يأتي بشيء من الأفعال والأقوال
المسألة الثالثة أنه تعالى ذكر مرة أخرى قوله تعالى كَدَأْبِ ءالِ فِرْعَوْنَ ذكروا فيه وجوهاً كثيرة الأول أن الكلام الثاني يجري مجرى التفصيل للكلام الأول لأن الكلام الأول فيه ذكر أخذهم وفي الثاني ذكر إغراقهم وذلك تفصيل والثاني أنه أريد بالأول ما نزل بهم من العقوبة في حال الموت وبالثاني ما ينزل بهم في القبر في الآخرة الثالث أن الكلام الأول هو قوله كَفَرُواْ بِئَايَاتِ اللَّهِ والكلام الثاني هو قوله كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبّهِمْ فالأول إشارة إلى أنهم أنكروا الدلائل الإلهية والثاني إشارة إلى أنه سبحانه رباهم وأنعم عليهم بالوجوه الكثيرة فأنكروا دلائل التربية والإحسان مع كثرتها وتواليها عليهم فكان الأثر اللازم من الأول هو الأخذ والأثر اللازم من الثاني هو الإهلاك والإغراق وذلك يدل على أن لكفران النعمة أثراً عظيماً في حصول الهلاك والبوار ثم ختم تعالى الكلام بقوله وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ والمراد منه أنهم كانوا ظالمي أنفسهم بالكفر والمعصية وظالمي سائر الناس بسبب الإيذاء والإيحاش وأن الله تعالى إنما هلكهم بسبب ظلمهم وأقول في هذا المقام اللهم أهلك الظالمين وطهر وجه الأرض منهم فقد عظمت فتنتهم وكثر شرهم ولا يقدر أحد على دفعهم إلا أنت فادفع يا قهار يا جبار يا منتقم
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّة ٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ
اعلم أنه تعالى لما وصف كل الكفار بقوله وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ أفرد بعضهم بمزية في الشر والعناد فقال إِنَّ شَرَّ الدَّوَابّ عِندَ اللَّهِ أي في حكمه وعلمه من حصلت له صفتان