بعضاً ونبه به على أنه يجب عليهم أن لا يوالوا الكفار وأن يتبرؤا منهم فههنا بين أنه تعالى كما يتولى المؤمنين فهو يتبرأ عن المشركين ويذمهم ويلعنهم وكذلك الرسول ولذلك أتبعه بذكر التوبة المزيلة للبراءة
والوجه الثالث في الفرق أنه تعالى في الكلام الأول أظهر البراءة عن المشركين الذين عاهدوا ونقضوا العهد وفي هذه الآية أظهر البراءة عن المشركين من غير أن وصفهم بوصف معين تنبيهاً على أن الموجب لهذه البراءة كفرهم وشركهم
البحث الثاني قوله أَنَّ اللَّهَ بَرِىء مّنَ الْمُشْرِكِينَ فيه حذف والتقدير وَأَذَانٌ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بأن الله بريء من المشركين إلا أنه حذف الباء لدلالة الكلام عليه
واعلم أن في رفع قوله وَرَسُولُهُ وجوهاً الأول أنه رفع بالابتداء وخبره مضمر والتقدير ورسوله أيضاً بريء والخبر عن الله دل على الخبر عن الرسول والثاني أنه عطف على المنوي في بريء فإن التقدير بريء هو ورسوله من المشركين الثالث أن قوله إِنَّ اللَّهَ رفع بالابتداء وقوله بَرِىء خبره وقوله وَرَسُولُهُ عطف على المبتدأ الأول قال صاحب ( الكشاف ) وقد قرىء بالنصب عطفاً على اسم أن لأن الواو بمعنى مع أي برىء مع رسوله منهم وقرىء بالجر على الجوار وقيل على القسم والتقدير أن الله بريء من المشركين وحق رسوله
ثم قال تعالى فَإِن تُبْتُمْ أي عن الشرك فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وذلك ترغيب من الله في التوبة والإقلاع عن الشرك الموجب لكون الله ورسوله موصوفين بالبراءة منه وَإِن تَوَلَّيْتُمْ أي أعرضتم عن التوبة عن الشرك فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى اللَّهِ وذلك وعيد عظيم لأن هذا الكلام يدل على كونه تعالى قادراً على إنزال أشد العذاب بهم
ثم قال وَبَشّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ في الآخرة لكي لا يظن أن عذاب الدنيا لما فات وزال فقد تخلص عن العذاب بل العذاب الشديد معد له يوم القيامة ولفظ البشارة ورد ههنا على سبيل استهزاء كما يقال تحيتهم الضرب وإكرامهم الشتم
إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
هذا الاستثناء إلى أي شيء عاد فيه وجهان الأول قال الزجاج إنه عائد إلى قوله بَرَاءة ٌ والتقدير بَرَاءة ٌ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلى المشركين المعاهدين إلا من الذين لم ينقضوا العهد والثاني قال صاحب ( الكشاف ) وجهه أن يكون مستثنى من قوله فَسِيحُواْ فِى الاْرْضِ لأن الكلام خطاب للمسلمين والتقدير براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم منهم ثم لم ينقصوكم فأتموا إليهم عهدهم
واعلم أنه تعالى وصفهم بأمرين أحدهما قوله ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ والثاني قوله وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً والأقرب أن يكون المراد من الأول أن يقدموا على المحاربة بأنفسهم ومن الثاني أن يهيجوا أقواماً آخرين وينصروهم ويرغبوهم في الحرب ثم قال فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ والمعنى أن الذين ما غادروا من هذين الوجهين فأتموا إليهم عهدهم ولا تجعلوا الوافين كالغادرين وقوله فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ أي أدوه إليهم تاماً كاملاً قال ابن عباس بقي لحي من كنانة من عهدهم تسعة أشهر فأتم إليهم عهدهم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ